السبت، 14 ديسمبر 2013

الذي يعرف كل شيء../قصة قصيرة


دقت الساعة معلنة تمام الثانية بعد منتصف الليل في الوقت الذي انهمكت فيه في ترتيب الاوراق الاخيرة التي كانت بين يدي وقمت بوضعها في حقيبة اليد الصغيرة، وتناولت مفتاح مكتب المحاماة الشهير من الدرج المقابل ونهضت مستعدا للإنصراف و...فجأة وجدتهم أمامي..شخصين ملثمين في يد كل منهما (كشاف حرامية ) كما نسميه وفي اليد الاخري مسدس مصوب اليّ بشكل ليس جميلا جدا لو تلاحظون..
صعقت من المفاجأة..غير أنني أعدت الجلوس علي المقعد الذي نهضت عنه للتو وانا احاول تهدئة قلبي بأخذ شهيق عنيف..
وبصوت متحشرج -حاولت قدر الامكان أن أجعله محملا بنبرات الشجاعة- قلت لهم: أنتم سادة مهذبين (جنتلمان) حقيقيين لو اردتم رأيي، لكني -وأرجوا الا يزعج هذا شعوركما المرهف- لا احبذ فكرة ان تقوما بتصويب سلاحيكما اليّ في اول مرة نلتقي فيها،إن هذا -واسمحا لي- يتعارض مع أخلاق أولا البلد التي...

وهنا لم يتمالك احدهم اعصابه فاعتصر الزناد بكل قوته ثم..
ثم ماذا...؟

قتلوني طبعا..اخترقت ثلاث رصاصات -من النوع النظيف- صدري صانعة فيه فتحة لا بأس بها، وتطاير الدم لينضح منه علي قميصي الابيض الجديد.
خطر لي ان هذا سيغضب زوجتي كثيرا..فهي تكره بشدة ان يتلوث غسيلها الابيض ولما يمض من الاسبوع يومان..
ثم انتبهت الي ان هذا ليس هو الوقت المناسب للقلق من غضب زوجتي علي الإطلاق.
وعبثا حاولت الا اكون مملا فلا أصرخ..وألا اضع يدي علي الجرح النازف..لكن التقاليد كانت اكبر مني فلم استطع المقاومة، وبحركة عنيفة -حاولت ان اجعلها درامية قدر الامكان- تدحرجت ساقطا علي الارض..
وماذا بعد..؟
متّ طبعا..كنت اظن هذا واضحا..ولو كنت تعتقد أنني من أولئك الاشخاص الذين يكملون حياتهم بشكل طبيعي بعد تلقيهم ثلاث رصاصات في صدورهم في الثانية صباحا فأنت مخطيء حتما.
ومن فرجة الباب لمحت طيف والدي يدخل فهششت اليه غير انه أبدي غضبه من تأخري في الخارج لما بعد الثانية عشر، وذكرني بما كان دائما ينصحني به قبل الموت..من الواضح أنه لم يتغير كثيرا..غير أني حاولت تجاهلت ذلك كله -فلست في حالة تسمح لي بتلقي نصائح من أحد- وسألته في لهفة:
لقد متّ اليس كذلك..؟ هذا يعطيني إذن مزية ان اتحول الي شبح الان..؟
لكن الاجابة كانت صارمة: لا تحول قبل أن يستخرج اهلك شهادة معتمدة من مكتب الصحة الذي تنتمي اليه مختومة بختم النسر تفيد كونك ميتا رسميا.
فقضمت شفتاي في غيظ وانا التفت الي اللصين الذين قاما بتنظيف مكتبي تماما -في دقائق معدودة- من كل ذي خطر، تبا انهما لبارعين حقا، لو فكر هؤلاء السادة في تغير مهنتيهما في تحقيق الشخصية الخاص بهما من (لص) الي (خادم) لانقطع عيش الخادمات الفلبينيات من الصباح الباكر.
وفي دراماتيكية تبادل والدي معي نظرة اخيرة وهو يذكرني بكوني لم أكن ذلك الولد الصالح الذي يدرّسون أخلاقه في منهج القراءة للصف الرابع الابتدائي، وأنني لابد نائل عقابا رادعا عن ذلك كله بعد قليل في اللحظة الاولي لدخولي المقبرة..طبعا فجعني الامر..فأنا لست (ابن تيمية) كي اطمئن لأمر كهذا..ان أياما سوداء تنتظرني حتما..
ومن جديد أدرت عيناي في حقد الي هذين اللصين الذين عجلا بوفاتي قبل ان اتوب توبة خالصة الي ربي وعزمت علي الا أسمح لهما بالهروب من أمر كهذا..
(إنني مرّ اللحم أيها الاوغاد ولسوف ترون..هه تحسبون انكم قتلتم آنسة في الرابعة عشر من عمرها ليست تقدر علي فعل شيء..انني ناضج يا برغوثي الثوب..ولسوف أجعل رأسيكما يشيب من منابته قبل الاوان..فقط لتنتظروا يا طفيليات..)
- هه أنت ايها اللص ذا الرائحة الكريه لا تفتح هذا الدرج حتي لا تلوث..اللعنة..انهما بارعان..أقسم علي هذا أغلظ الاقسام.
كانا اللصين قد انتهيا من آخذ كل ما يمكن أخذه واستعدا للمغادرة حين دوت سرينة الشرطة من بعيد وكأنما
كانت تنتظر ان ينتهي اللصين من عملهما اولا قبل ان تتسبب في اي ازعاج لهما..انني محام واكثر من يعرف ان الشرطة قد خلقت لتأتي متأخرة دائما.
طبعا لم يكن الامر صعبا علي اللصين..فتحا النافذة واستعدا للقفز منها وفجأة ابتلعمهما الظلام..
دخلت الشرطة في اللحظة ذاتها ووقف مفتش المباحث فوق رأسي وهو يخاطب من حوله...هممم..انه يبدوا ميتا يا شباب..هل توافقوني الرأي ام أن لدي احدكم رأيا آخر..؟
وهمّ أحد الضباط الصغار ان يفتح فيه ليتكلم لكن المفتش الشرس لم يعطه الفرصة..بل التفت اليه وهو يلوح بسبباته في وجهه صارخا: هل تجرؤ علي مخالفة قولي..من الان فلتعتبر نفسك لا تختلف في شيء عن هذا الميت علي الارض..انت موقوف علي العمل..لا ، بل انت محال لمحاكمة عسكرية عاجلة!.
وعبثا حاول الضابط الصغير ان يتكلم موضحا انه لم يكن ينوي الاعتراض وإنما..، لكن المفتش لم يعطه فرصة واحدة للرد،ومن جديد انفجرت فوهة البركان الغاضبة لتسب جموع الواقفين..
كل هذا وانا اكاد انفجر غيظا..هلموا يا حمقي فاللصين يوشكان علي الهرب الي الابد..
خذوني من هنا الان..ثم ليأكل أحدكم لحم أخيه حيا فيما بعد لو أراد.وعلي المحفة الكئيبة وضعني رجال الاسعاف الذين وصلوا للتو، وبعد جرعة سباب تلقوها من المفتش بسبب تدخلهم في عمله، قاما بوضعي في سيارة الاسعاف.
أنا اعرف هذا النوع جيدا من مفتشي المباحث..ام تراكم تظنون انه بسبب كوني ميت فلا أعرف شيئا..بربي اني اعرف كل شيء عن هذه النوعية من الرجال الذين تسوّد عليهم زوجاتهم حياتهم وتسمم عليهم أفكارهم فلا يستطيع احدهم ان ينبس ببنت شفه..ولو طلبت منه زوجته ان يرتدي (الكسرولة) علي رأسه ويذهب لينشر الغسيل لفعل..ثم بمجرد غلقه باب الخروج يبرم شاربيه في حنق ويسبها في اعماقه مؤكدا لنفسه أنه صابر عليها فقط من أجل جدة عمتها المريضة..او بنت اخت خالها المصابة بالزكام..!،انه رجل جدا ولسوف يؤكد هذا  ل..ل..لهذه الثعابين المتلونة التي تعمل تحت إمرته في القسم، والذين يودون أن لو  تركوا القسم خاويا علي عروشه وهاموا علي وجوههم في ارجاء الحانات مع ذوي الضحكات الرقيعة ليل نهار..
لهذا فلابد من القسوة عليهم..لماذا..لانه رجل تماما..ولا يقبل أن يستغفله أحد.

وبسبب هذه العقد التي تمتلأ بها نفسية مفتش المباحث تأخرت علي المستشفي قرابة الثلاث ساعات..طبعا لم يعثروا علي الطبيب المقيم..مُؤَكّدٌ انه الان غاف في مكان ما..ربما تحت بئر سلم المستشفي ذاته..
-فلتنادوا عامل المشرحه..
كانت هذه من احدي الممرضات الحانقات -والممرضات دائما حانقات ولست ادري لذلك سببا-
وجاء العامل المسكين ينفث البخار من فيه وهو يحاول ان يمسح شفتيه لئلا ينتبه احد انه كان يتناول الطعام..
-هل عندك مكان لهذه الجثة حتي الصباح..؟
سألته الممرضة فهرش العامل رأسه وأمال (طاقيته) علي الجانب الايمن وهو يقول -بعد تفكير- يمكن لي ان ادبر مكانا ما..

طبعا لم أكن أعرف ان هذا المكان الـ(ما) هو (بانيو) المستشفي ذاته، حتي احاطت بي جبال من الثلج استوردوها رأسا من القطب الجنوبي..
-انا ارتجف يا حمقي..فهلا أشعل احدكم جهاز التدفئة..؟
لكن احدا لم يهتم، واغلق العامل الباب في حدة تاركا إياي استنشق الروائح الندية التي جعلت من الموت بثلاث رصاصات جنة وارفة الظلال مقارنة بهذا الجحيم..
وجاء الفرج بعد قليل..
كيف عرفت...؟، لأن أذني ميّزت -بلا كثير جهد- نوع هذه الصرخة التي سمعتها الان وشدة ترددها بل ومصدرها كذلك. فهذه (الصرخة) من النوع الذي لا يخرج سوي من حلق اثنتين:
(ام باتعه) في حارة (السعدني) -لابد من وجود واحدة تدعي بهذا الاسم في حارة كهذه حتما- والثانية هي حرمنا المصون.
فلقد سمعت هذه الصرخة منها مرارا كلما صادفها فأر في المطبخ، او عثرت علي (صرصار) في غرفة الجلوس..
وحينها كانت الصرخة تشق سكون الليل لتوقظني من اعماق النوم لو كنت نائما، او تجتذبني جذبا من غرفة مكتبي لو كنت اكتب مرافعة احدي القضايا الهامة التي كنت اتولاها..
وخطر لي اني تحملت الكثير من سخافات هذه الزوجة..وتذكرت موقفين او ثلاثة مما كانت تفعلهما معي..وكما يقولون في العامية (صعبت عليّ نفسي) فكدت أبكي تأثرا، لكنني منعت نفسي بصعوبة فحسبي هذا المحيط من المياة الذي اغرقوني فيه.
وكانت زوجتي في الخارج تؤدي عملها كما ينبغي..او بالأحري كانت تكذب كما ينبغي (يا اللي مستتني يا انا)، (يا للي مكانش مخليني محتاجه حاجه يا انا)، (اشوفه يا اخواتي) (اشوفه)..الي آخر هذا الهراء الذي لا ينتهي..
انها تكذب طبعا..هذا أمر مفروغ منه..ربما لانها تظن ان هذه التقاليد شيء لابد وان تفعله اي زوجة تحترم كونها أنثي..كالغسيل والتنظيف وغير ذلك،
او ربما خوفا من ان يلاحظ احدا هدؤها فيعرف اي حياة قاسية تلك التي كانت تحياها هذه المسكينة مع هذا الزوج ال..وال..، وهي طبعا تفضل الموت الف مرة علي ان تعرف قريباتها ما كانت تعانيه..فتظن إحداهن أنها أفضل منها في شيء.
ان نفسية النساء معقدة حتما..حتي في احلك المواقف لا يكففن عن الغيرة..

طبعا لم يسمحول لزوجتي ان تدخل كي تراني..ولربما أوهموها انني الان أرقد بداخل ثلاجة (آخر شياكه) استوردوها خصيصا من أجل راحتي..
لكن الفائدة العظمي كانت في انهائهم اجراءات وتصاريح الدفن بأقصي ما استطاعوا، فمما لا أشك فيه لحظة واحدة أن صراخ زوجتي قد سبب لهما صمما دائما، وتليفا في الكبد،وفقدا جزئيا للذاكرة-لهذا تحركوا بسرعة كي ينتهوا من هذا الكابوس..
ولا داعي للقول ان اقصي سرعة هذه امتدت الي يومين..
وكنت انا في هذين اليومين في مزاج سيء يليق بقتيل حقا..كنت اسب الجميع بلا توقف..مدير المستشفي..الطبيب المقيم..الممرضة الحانقة..عامل السويتش..وحتي بائع الجراد الذي يقف امام المستشفي..
انني لست ميتا مهذبا جدا كما ترون..
وأخيرا -وبعد ان فقدت عشرين كيلوا جراما من وزني بسبب التوتر والقلق- حملوني الي المقبرة..
ولم يكلّف اخُ زوجتي خاطره فيؤجر لي سيارة نقل موتي تليق بمكانتي في عالم المحاماة..تبا لقد انخدعت في هؤلاء القوم حقا...
وطوال الطريق كنت اتسلي بوضع قطن زيادة في أذني كي أستريح من كل هذا (الصراخ) الذي لم تكف عنه زوجتي للحظه..هذه اذن احدي فوائد الموت التي لا تنكر.
أوصلوني الي مثواي الأخير شاكرين ووضعوني داخل اللحد وانصرفوا..
ولم يكلف خال زوجتي خاطره فيستأجر لي مقرأ محترما -من أولئك الذين يتقاضون الآف الجنيهات في نصف ساعة- كي يقرأ علي روحي بعض القرآن..للمرة الثانية خلال ساعة واحدة اكتشف اني قد خدعت في هؤلاء القوم جدا..
ولو عادت الايام لما تزوجت من (كريمتهم المصون)، ولاخترت ابنة (السيد محمد العادلي ابراهيم) التي نصحتني بها أمي،كان الرجل يبدوا طيبا، ولربما أظهر شهامة اكثر معي في لحظات كهذه..
وفي المقبرة -وهي مقبرة متواضعة حيث لم يكلف ابن عمة زوجتي نفسه ليبني لي واحدة اوسع قليلا- وجدت بقية عائلتي تنتظرني في فتور..ومن نظرات أعينهم فهمت أنهم قد جاءوا ليتشفوا فيما سيحدث لي بعد قليل..
وكان ما توقعوه حقا -واسمحوا لي أن أتجاوز هذه النقطة فأنتم تعرفون تفاصيلها بشكل ما- ولكن بعد مدة طالت جدا حتي غدت دهرا
تمكنت من اعادة رأسي لموضعه..وعادت الموجودات تتراءي امام عيني بعد كل هذا الضرب بالمطارق الذي تلقيته..ومن جيب الكفن أخرجت مرآه صغيرة ونظرت الي وجهي في رضا..انه وجه يليق بشبح حقا..ثلاثة ارباع الاسنان قد تكسرت..عيني اليمني اصبحت في موضع قفاي..حواجبي تبدلت مكان أنفي..اني لي منظرا مبهجا بلا شك
ومن الجيب الآخر للكفن أخرجت (موبايلا) من طراز (noki 6600) وقمت بالاتصال برقم هاتفي الذي سرقه اللصوص..كليك..كليك..كليك..ترن..ترن..
وهنا دوي الصوت الخشن الذي لا يمكن لي ان انساه: من المتصل..؟
- انا الشخص الذي قتلته منذ يومين وسرقت منه هذا الهاتف.
وهنا دوت ضحكة عالية منه وأطلق سبة بذيئة ثم انه -بلا شك- بصق في استمتاع وهو ينادي: (بسطويسي) تعال هنا، ثمة متصل يقول اننا قتلناه منذ يومين وسرقنا هاتفه.
وعادت ضحكة (بسطويسي) لتدوي من جديد وقال من بين سعاله: اسأله.. كح كح..ماذا..كح كح ..يريد .؟
- وماذا تريد ايها المقتول..؟
- فقط -لو لم يكن في الامر ازعاج- أريد ان اعرف اين انتما..؟
-انه احمق ..كح كح..لا تجبه فربما كان كمينا..تك.
طبعا كانت هذه من بسطويسي..
لكنني اعرف..بربي انني أعرف..ولقد حسبني هؤلاء الاوغاد لا اعرف شيئا وحان الوقت ليدفعوا ثمن شكهم في قدراتي.
لقد ميزت جيدا صوت دق شديد مختلط بنفير قطارات وصوت تفريغ هواء..هذا يضيق دائرة البحث جدا..ولم يتبق الان سوي الخطوة الاخير..ومن جيب الكفن -الخلفي هذه المرة- أخرجت دليل الاشباح والمتوفين..وقمت بالبحث عن اسم معين فيه..انني محام واعرف جيدا مؤهلات الاشخاص المقتولين والموجودين هنا..(عبد المتولي عزام)..(عبد المتولي امام)..(عبد المتولي السكاكيني)..نعم ها هو بغيتي..حسنا اين يسكن..ثالث مقبرة علي الشمال بعد العطفة الرابعة من مدخل المقابر الشمالي..لا بأس.
رقم هاتف..لا يوجد مع الاسف.
وهنا أخرجت -من جيب الكفن الثالث- ساعة كي أعرف كم الوقت بالتحديد..الحادية عشر مساءا..لا بأس مازال أمامي وقت كاف قبل الفجر، ونهضت مسرعا متجها صوب المقبرة (التي عليها العين) كما يقولون، لأجد السيد البالغ التهذيب عبد المتولي السكاكيني يجلس امامها وهو يتسلي بادخال أشواك الصبار المحيطة بها في عينيه.!
-السلام عليكم يا ريس.
-وعليكم...أيتها خدمة..؟ -قالها وهو يقتلع عينه الشمال ثم ينفخ فيها ويلمعها بطرف كفنه ليعيدها الي محجرها مرة ثانيه-
فقمت انا -علي سبيل التبسط- باخراج اربعة سجائر فرط -كنت ادخرتها لظروف كهذه- ووضعتها أمامه وانا أقول: لصين احدهما يدعي بسطويسي يسكنان في مكان قرب ورشة القطارات الكبري..كنت أسأل ان كنتا تعرفهما او تملك عنهما معلومات اكثر..؟
طبعا لم يبال بالسجائر -إن هوايته الوحيدة هي محاولة فقأ عينيه بأشواك الصبارعلي ما يبدوا- لكنه قال علي الفور ما معناه انهما (حبايبه ويعرفهما عزّ المعرفة)، ومن جيب الكفن -الخامس علي ما أذكر- أخرجت مفكرتي لأدون فيها العنوان الذي أعطاه لي كما يفعل أي شبح يحترم نفسه.
- شكرا يا عم عبده..
وقبل أن أنصرف أشرت الي (مطواة قرن غزال) ملقاة بالقرب منه -بالتأكيد ألقاها أحد المسجلين خطر في اثناء هروبة من المخبر (رفعت) فالأمر دائما هكذا- وأشرت عليه ان يستخدمها في فقء عينيه بدلا من اشواك الصبار المحدودة الأثر..(إنها فعالة جدا..ثق بأنني أعرف ما أقول)
راق له اقتراحي فشكرني من بين دموعه الفرحي..
فقلت له ما معناه (ان هذا واجب عليّ).

ومسرعا عدت الي مقبرتي الأثيرة لسبب ما -من جديد أنتم تعرفون هذه الأمور حتما-
ملايين من ضربات المطرقة التي لا تنتهي فوق رأسي..بوم..تك..كراكـ..تش..تننن...
ويلي لم لم أحافظ علي الصلاة في حياتي كان هذا ليخفف الامر قليلا..
ولست أدري متي انتهت تلك المعمعة..ولا متي كفت تلك الحيات عن نهش لحمي..وتوقفت هاتيك العقارب عن لدغي بأشنع سمّ عرفته يوما..
لكنني احتجت الي وقت اطول كي انهض هذه المرة..ان الامر يبدوا مبهجا حقا..وزاحفا علي عظمة باقية في ذراعي اليسري تجولت في انحاء المقبرة كي ألملم أشلائي المبعثرة..هذه أُذن..تخصني طبعا..حسنا موضعها في هذه المنطقة علي ما أذكر..لكن هل هي الاذن اليسري ام اليمن..؟ لن يفرق الامر كثيرا فلست ذاهبا الي دار الاوبرا علي كل حال..هذا الضرس يخصني علي الارجح..عظيم..وهذه قدم..يالفرحتي..انها ناقصة اصبعين..؟ لابأس..ربما هما الآن يهضمان في بطون احدي هذه الحياة الرقيقة الناعمة..
وبعد جهد تمكنت من جمع معظم اجزائي من أرجاء المقبرة..ومن جديد أخرجت المرآة إياها..تبا لقد تحطم جزء منها..لكن لا بأس..انني لم أزل فاتنا نوعا -بمقاييس الاشباح طبعا-، الساعة الآن الثانية صباحا..عظيم..هذا يعطيني بعض الوقت للمرح..ان حياة الميت ليست جَدّا كلها كما ترون..
وعلي مدخل المقبرة ألقيت السلام علي جارين ميتين منذ عدة اعوام..ونظرت الي السماء لاحدد وجهتي وأنا أغمم: الدب القطبي..أمم..الشمال الشرقي..اممم..ومن جيب الكفن -توقفت عن عد هذه الجيوب منذ فترة- أخرجت بوصلة وجهاز تحديد المواقع (
gps)،وحددت من خلالهما موقع بسطويسي ومن معه...
إن امام هذين الوغدين خبرة مروعة كي يعيشونها..
يحسبوني لا أقدر علي اخافتهما..وتحويل حياتهما البائسة إلي جحيم...؟
بربي إنني لقادر..ولسوف افعل..
 

تمت
     

هناك تعليق واحد:


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..