الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

محمد المهاجر في القرن الواحد والعشرين.


الهوية -أي هوية- هي بالضرورة تهتم أكثر ما تهتم بالتفاصيل الصغيرة !، إن التفاصيل الصغيرة هي ما تصنعنا حقيقة لا توهما، وكلما كان التفصيل صغيرا دقيقا كلما صار أعمق دلالة علي الهوية أكثر وأكثر !.
أمة اليابان صاحبة أعظم وأتقن وأكبر امبراطورية صناعية في القرن الواحد والعشرين، تلك الأمة التي تركت بصماتها علي معظم أسطح الكواكب الخارجية، وتركت آثارها في غالبية أعماق البحار والمحيطات والانهار التي يأويها كوكبنا، ووصلت بالتكنولوجيا الي ما يشبه الإعجاز، لا تزال الي الان
متمسكة بـ (الكيمونو ) ذلك الزي العتيق الذي ورثته عن الاجداد.
ان رمزية هذا الزي -علي بساطته- هو ما يجعل من اليابان يابانا، وهو ما يمنعها -ولو ظاهريا- من الذوبان في المحيط العالمي، وما يجعل منها أيضا نسخة متفردة بذاتها.
وقس الأمر ذاته علي (قبعة) المكسيكين، وعلي (ساري) الهنود، و (عقال) العرب -فيما مضي-..الخ.
ومهما بدا لك رمز الهوية شكليا وغير مهما الي الدرجة التي يكون فيها معبرا عن ذاتية، فإن عدوك المتربص يعلم غير ذلك، ويوقن بشكل تام أن تجريدك من ملامح هويتك -علي بساطتها- هي الخطوة الفصل في طيك تحت جناحه ووضعك نخب أمره وطاعته، وإلا فبم تفسر إشتراط كل من فرنسا وألمانيا وأنجلترا علي الدولة العثمانية -في نهاية القرن الثامن عشر- إلغاء التقويم الهجري في مقابل تمويل تلك الدول لجيش العثمانيين وتحديثه...؟
هل تتخيل...؟! تمويل وتحديث وامداد جيش عدوك اللدود -بما يوازي مليارات الجنيهات- في مقابل امر -قد يبدوا للوهلة الأولي بأنه جدا بسيط-. ان طرفي المعادلة في حسك قد لا يستويان عقلا..لكن الامر غير ذلك في نظر الأعداء.
ان هويتك -او ما يميزك عنه- هو أخطر عليه الف الف مرة من كل سلاح في الكون، انه يعلم جيدا أن هويتك = أنت، وأنك حالما تستعيدها وتكف عن الدوران في فلكه فستستعيد ذاتك حتما، ومتي فعلت ذلك فلن تصمد في مقابلك أي قوة مهما عظمت.
وللتدليل علي كون مثل هذا الشرط كان مقصودا ولم يكن اعتباطيا أو وليد التعجيز أو الاستهزاء فقد طلب أحد خديويي مصر قرضا لتمويل مشروع حفر قناة السويس من دول العالم العظمي وقتها، وسافر مندوب الدولة المصرية لتقديم طلب رسمي بذلك لتلك الدول فرحبت أيما ترحيب، لكنها قدمت شروطا عدة كان علي رأسها :( إلغاء التقويم الهجري في مصر واستبداله بالميلادي)!.
فقط لأن التقويم الهجري يربطنا رأسا بمحمد، ومحمد يربطنا بإله السماء، وإله السماء -جل وعزّ- يطلب منا تعبيد البشرية له، وجعل نظامه المحكم وشريعته العادلة وكلمته الخالدة هي العليا فوق كل نظام وتشريع وكلام.
وعبادة البشر للبشر حين تنتهي -ولا يملك إنهائها إلا الاسلام- فلن يكون هؤلاء القوم حينئذ قوة عظمي، ولن يكونوا أكثر من أفراد في مملكة الله لا يملكون أن يجوروا أن يظلموا.
إن الهجرة انتقال من سطوة الجاهلية وتحكمها وجبروتها الي غاية ارحب وأنقي وأعدل.
الهجرة أخذ بالاسباب وعمل بما تقتضيه سنن الله في الكون ليكون لنا الكلمة الفصل.
الهجرة نصرة للضعفاء وإعانة للمعذبين، وتسلية للمحزونين، وفتحا ونصرا عظيما للمهاجرين.
الهجرة ترك ما تحب النفس وتهوي..ترك الاهل..والموطن..والمال..فقط للدلالة علي أن كل هذا هراء إذا ما قيس بالمعتقد وما يقتضيه الإيمان.
الهجرة هي الصحبة الخالده..والمعية الدائمة التي لا تنقطع.
الهجرة ثبات محمد وبطولة أبي بكر وشجاعة عمر وبذل عثمان وبسالة اسماء وطهر أهل المدينة من الانصار.
إن هجرة محمد لم تكن مرة في العمر، في كل عام يهاجر محمدا، يهاجر بذكراه..ويعبر طيفه ليستحثنا علي المتابعة والمواصلة، وليذكرنا بأن للله أمرا لا يرد، وبأن في السماء إلاها لا يغلب، وأن مشيئة الأرض -كل الأرض- معلقة أولا وآخرا بما يشاء الله.
ان محمدا الرسول المهاجر في القرن الواحد والعشرين يبحث عن رفقة..فهل تري نفسك لذلك أهل..؟
محمد المهاجر في القرن الواحد والعشرين يبحث عن خبير يأتمنه علي طريقه ويرسم له خطة المسير..فهل تصلح لذلك..؟
 محمد المهاجر في القرن الواحد والعشرين يبحث عن أمة كأمة الانصار تبيع روحها ومالها وأهلها في مقابل أن تشتري جنة الله..فهل منا من يصلح أن يكون كهم..؟
محمد المهاجر في القرن الواحد والعشرين يبحث عن رجل شجاع كعمر..وعن صبي صامد كعلي..وعن امرأة ثابة كأسماء..وعن ثقة في النقل والاستقصاء كعبد الله بن أبي بكر..وعن بائع لله روحه وماله كصهيب..وعن صابر صامد كعامر بن فهيرة..
محمد يبحث عني وعنك وعن أمة تؤازره، أمة تترصد خطي نبيها في هجرته،
وها هي أثار الرسول في طريقه الي الغار...فهل تراها...؟
هاهو نقش قدمه الشريفة علي الرمل يبدوا جليا قبل أن تمحوه آثار رعي عامر بن فهيرة فهل تلمحها..؟
هاهو النور يومض من بعيد..
فهلم بنا إذن لنتبعه.
لكن محمدا المهاجر في القرن الواحد والعشرين هذه المرة يوجهنا لا ناحية الغار..
بل يقرع سمعنا بحروف ينتصت لها الدهر في خشوع، وليرددها من بعده الوجود:
(لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد..ونيه)/ حديث شريف.
( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )72/الأنفال.

هناك 4 تعليقات:

  1. مقال جميل جدا يا دكتور محمود
    احنا فعلا محتاجين اننا نخلي التاريخ أكثر معاصرة ونجسده بشكل اقرب زي ما كتبت في المقال.
    كتاباتك فعلا جميله والله.
    وكل سنه وانت طيب وبالف خير وسعاده.

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمي يا باشمهندسه
      دا بس من ذوقك يا افندم.
      وشكرا علي التعليق والمكالمه،
      وخالص دعائي بالتوفيق.

      حذف
  2. سلمت يمينك ،
    لقد صورت لنا الهجرة بمنظور عصري يواكب ما تمر به الامة من محن ، نحن حقا بحاجة لهجرة لله ولرسوله ،هجرة من بلاد الظلم والقهر لبلاد نستطيع فيها تعلم ونشر الحق .
    اللهم اخرجنا من القرية الظالم اهلها .

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آميـن،
      وسلّم الله سيادتك من كل سوء،
      وجزاكم الله خيرا.

      حذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..