الخميس، 18 أبريل 2013

فلتزأر العاصفة..


لحظات صعبة حقا تلك التي تمر علي مستشعرا فيها ان قيمة كل شيء تساوي محصلتها صفرا.
ان الحديث عن الشجاعة والبطولة حديث محبب الي النفس،
الكلام عن ضرورة الثبات والصمود كلام منمق جميل.
لكن احيانا -وما اقسي تلك الأحيان- تشعر ان كل هذا سخف، وانك ان لم تنفجر الان شاكيا باكيا سوف تقضي غضبا وحسرة.
الثقافة رمز بحّ صوتي أزمانا مديدة وأنا أحاول إقناع من حولي انها أهم من الهواء الذي يتنفسوه.
ساعات طوال قضيتها أحدث المحيطين بي عن جوجول وديستوفسكي وإيان فلمنج وشكسبير وهربرت ويلز،
عن ابن حجر والنووي والشوكاني وابن تيمية وابن عبد الوهاب وإقبال.
أشعارا لا تعد ولا تحصي سردتها علي مسامعهم لامريء القيس وطرفة والمتنبي والمعري، لنزار وفاروق وعبد الصبور والبياتي والسياب ونازك وأمل دنقل..،
في محاولة مني لاكساب هاتيك الاسماء والمعاني ما اري انها تستحقه من معرفة وتوقير واجلال.
لكنني -وبالامس فقط- أحسست بمدي تفاهة كل ذلك، ومدي لا شيئيته مقارنة بما نعاقره من واقع موحش قاس.
غاضبا متنمرا أقف أمام مكتب فاره يجلس في آخره عميد كليتي ، وحوله عدد من الأساتذة ورؤساء الأقسام، بعضهم يتسلي بقراءة الجرائد، والاخر برسم انطباعات بلهاء تعبر اصدق تعبير عما يحوي داخله.
عبثا -أنا ومن معي- نحاول إقناع العميد بما لنا من حق، وعبثا نحاول أن نشرح للحضور معني أن تبني قافلة من الأحلام، وأن تجهّز أسطولا من الأمنيات، ثم يأتي غادر من خلفك خلسة ليضرم في كل ما اعددت النار.
سأحاول أن أكون مهذبا قدر الامكان  وأتغاضي عن وصف مشاعري تجاه الحضور، تجاه السادة الانيقي الملبس، الفارهي العيش، الناظرين الينا من ابراج عاجيه، والسامعون لنا من خلف تلال اللامبالاة.
جمادات هُم لا مشاعر لا بصائر عندهم، منزوعي الاحاسيس، لا ثمّ فرق كبير بينهم وبين المقاعد الخشبية التي يجلسون فوقها،
لذا فلن أتكلف عناء الوصف.
لكن مشاعري أنا كانت عاصفة..
كنت أحسّ بالقهر..بالفجيعة..بالوجع الممض الذي لا يبقي ولا يذر.
وقتها جاشت بخاطري مشاعر عدّة..أقساها كان شعوري بالابتذال، الابتذال لكل شيء..
لنفسي، وللمحيطين بي، ولأحلامي الوجعي..وللحياة ككل.
الثقافة هراء، والعلم هراء، والتمدن كذبة، والقراءة أفيون نهرب به من واقعنا.
يا لَكم نحن نبيع الوهم لتلامذتنا ولكل المحيطين بنا.
ماذا نفعتني الثقافة، وما أغنت عني القراءة والإطلاع، وما جدوي الذي حصّلته من رقيّ، ومن معارف أو علوم.
ان أصغر تاجر سلاح أو مخدرات في عالم اليوم لذو مكانة أعلي وكلمة أسمعُ من كل شعر الدنيا وثقافتها.
حقيقة قاسية ، لكنها تبقي رغم ذلك حقيقة.
مثل ذلك مثل الحديث عن المواساة..عن الصبر..عن الأمل..عن التفاؤل...،
عن وعن وعن..
هراء كله ليس يجدي، ولا يساوي ثمن ما يكتب به من حبر.
ولا ينسي القدر العابث ان يطلق ضحكته الساخرة وهو يستمع الي ارباب الرفاهية هؤلاء، الي السادة الموقرين وهم يتحدثون أمام تلامذتهم ومن يحاضرونهم عن الحق والعدل والاحسان..
أي سخف، وأي ثخانة طبع وصفاقة وجه.
اننا -وباختصار فجّ- مجرد مجموعة من الأوغاد، سفلة يتظاهرون بالعلوّ، وحوش آدمية تتردي مسوح البشرية.وعجبي كيف لهذه الشمس أن تصبر علي كل ما يدور تحتها من نفاق وزيف،
كيف لهذه العاصفة أن تمر مرور الكرام وسمعها يتناهي اليه كل ما نتبادله من شرور وآثام.

كيف لهذا البدر ان يشرق طاهر النور وسفوح الارض تستحم عرايا في الوحل والدنس والعار.

كيف لحياة ان تستمر وفيها كل هذا الذي فيها.
ألا فلتحرق الشمس، ولتزأر العاصفة، وليحتجب البدر عن شهود مواطن العار.
وأما أنا..
فإن قناعاتي السابقة كلها قد ماتت، مشاعري قد عصف بها، 
أحزاني قد أثمرت وجعا بطعم الحنظل المرّ، أبحث له عن سوق للنسيان أبيعه فيه بلا ثمن...
لكنّ ما من مشتري..
ما من مشتري.
فقط بضاعتي المزجاة..ووجعي..وأنا.

  
                                                 محمود
         

هناك تعليقان (2):

  1. العاصفة التي زأرت بداخلك زأرت في أعماق قلبي , زأرت حنقا واحتقارا لمن أضاعوا القيم واستهتروا بحقوق فرضها رب العزة والجلال لأبناء أمتهم , ولاعجب فقد وسّد الأمر إلى غير أهله , وضيّعت الأمانه , وفي كل يوم يطالعنا مواقف يندى لها جبين الإنسانية , فمن إهمال واستهتار بإخوة أرادوا النجاة بأعراض الحرائر ألى بلد مجاور , ومن نداءات تتعالى أخرجوا من أرضكم الأجانب , إنهم يأكلون خيراتكم ويأخذون وظائف أبنا ءكم , من تجبر ورفض لاستقبال المكلومين من أهل الشام والتضيق عليهم و عن ماذا أتحدث وعن ماذا اسكت ؟؟!!عاصفة تزمجر حقا ولايخفت زئيرها إلا ساحة الأمل الممتدة إلى عرش الرحمن تجأر إليه : اللهم من للمستضعفين إلا أنت ؟؟ اللهم سأبقى أحمل قيمي وأعمل وفق ما أمرتني به لن استسلم وسأنتصر رغم كل شيء فأنت عضدي وانت نصيري , كان الله معك وأقر عينك بماتحب ولاتحزن إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

    ردحذف
  2. عجبا كيف شاخت مصر بهذه السرعة و قد حسبنا بالأمس فقط أن دماءا فتية ستجرف التيار لتذهب بالغثاء إلى غير رجعة .. لكن واحسرتاه .. ما يزال الغثاء هاهنا رابضا جاثما على قلوبنا.
    شخصيا .. ما عدت أعجب من هذا السّواد الذي وصفته. فقد اعتدت عليه ووطنت نفسي على التعايش معه و ما لنا منه من مفر !
    لكن العجب كل العجب أن يضل في زماننا وعلى ثرى تربتنا قلب نقي طاهر مثلك, تستفزه مثل هذه الظواهر فيثور لها غاضبا حانقا غير مستسلم و لا مداهن !!
    بوركت أخي نور و بورك القلب الطاهر بين أضلعك .. لا تيأس عسى أن يحدث الله بعد ذلك أمرا.
    صديقك القديم .. مهما غبت عن ناضره فلن تغيب عن وجدانه أبدا.

    ردحذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..