الجمعة، 3 أغسطس 2012

(ريم) وأخواتها.../ قصة قصيره..


لا أجمل من ان تستمع بجوّ المنزل الدافيء في هذا البرد القارس
الشاي الساخن..الاسره..الهدو..
ترررن...ترررن...ترررن...
-إن هاتف منزلنا عديم الذوق اذ يضنُ عليّ بقليل من لحظات الهدوء،
 
أميل بجذعي لألتقط سماعته مجيبا في آليه:
(السلام عليكم..مرحبا يا باشمهندس..هل سألت لي عن الكتاب الذي كلمتك عنه..؟؟
عظيم..واين توجد هذه المكتبه..؟ نعم اعرفها...نعم..35 جنيه...لا بأس...شكرا).
- الباشمهندس (عصام) بيسلم عليك يا حاج..

اقولها وانا استعد للإنصراف..فيرفع والدي عين متشككة عن (الجرنال) الذي بين يديه ويبيقي الاخري منخفضة، حتي لا يتوه منه موضع السطر الذي يقرأه..ثم في استغراب يسألني:
(انت رايح فين يا ابني...؟؟
وكتاب ايه اللي صاحبك كان بيسأل لك عليه..)

- دا كتاب بيناقش أُطر التفاعل الديموجرافي بين طبقة البرولتاريا البرجوازيه وبقية طبقات المجتمع يا حاج..؟؟
كان وقع الكلمات غريبا علي ذهن والدي فرفع عينيه لبرهة عن (الجرنال) ليستفهم مني..
ثم فطن الي انه قد اضاع السطر الذي كان يقرأه..
فتجاهلني تماما
ليدفن رأسه مرة اخري باحثا عن الكلمة التي كان يقف عندها.
-يكره والدي ان يعيد قراءة الكلام مرتين..لهذا إن لم يجد آخر كلمة قرئها فلن يُكمل قراءة (الجورنال) ابدا.
مستغلا انشغاله انسللت خارجا من البيت في هدوء..
طبعا لا يوجد هناك (عصام)..بل (ريم)..!!
ولا يوجد عنوان مكتبه..او سعر كتاب..
بل هو عنوان وميعاد اللقاء..!

(ريم فتاة مهذبه..لكنها تظن انه من الواجب عليها ان تحب احدهم..تعتقد انها لو لم تفعل ذلك فسوف تكون مقصرة نوعا!)

ووقع اختيارها عليّ...وكنت انا سعيد بهذا الاختيار فيما مضي..لكن الامور اختلفت الان..
- هاهي ريم تقف هناك حيث اخبرتني ومعها كالعادة اخيها الصغير..
وبمجرد رؤيتي رسمت علي وجهها انطباع الأم التي رأت وحيدها بعد الف عام من الفراق..!!
انا لست غليظا..لكني أنظر لهذا علي انه مبالغة لا ضرورة لها..
ولو كنت انا وريم نمثل فيلما لعدّ هذا اسفافا من المؤلف لا شك.

تتورد وجنتيها..وتتسع عينيها في انبهار بمجرد اقترابي..
- (
مرحبا)...
تقولها وهي تخفض وجهها ارضا..
كل البنات يفعلن ذلك..ولست ادري لماذا حقيقة..

ان كان تعبيرا عن الحياء فكان الأولي الا تخرج من بيتها اصلا.
القيت عليها تحية المساء..وتركتها لتنغمس اكثر في دور الفتاة الخجول الذي فاجأها وجود احدهم بقربها..لتحين مني التفاتة الي اخيها الصغير الذي يكرهني بجنون ،فأراه ينظر اليّ في تحد..لأبادله بنظرة عميقة مرعبه ثم اضع يدي علي شعره لاداعبه في قسوه:

(ريم) لماذا تصرين دائما علي اتعاب هذا الصغير الرقيق معك..الم يكن (كلبكم الصغير) ليفي بالغرض..؟؟!

تقهقه ريم في سعادة من دعابتي..بينما يزداد هو ضغطا علي اسنانه في غلّ...
إنه يأتي مع ريم بعد ان تعده بمبلغ من المال لشراء الشيكولاته
..
طبعا كل هذه الاهانات سوف ترفع من راتبه..لهذا يبتلعها صاغرا
.
علي طريق الكورنيش نتهادي في صمت..احيانا ترفع عيناها لتنظر نحوي في انبهار...
إن هذه الفتاة فيما يبدوا تحبني حقا
..!
لكن هذه مشكلتها وليست مشكلتي...ولإن كانت هي تراني مبهرا الي هذه الدرجه فهذا خطأها..وهي وحدها من تتحمله.
مزيد من الصمت الذي لا يقطعه سوي مزيد من نظرات الانبهار..
الجميل اني اتمني ان لو ظلت صامتة حقا لاني غير راض عن كل هذا السخف.
-ريم..ريم.. انظري الي هذا العجوز المبتور القدمين..!
يقولها الصغير في مرح وسعادة لا تصدق..!
لكنه تنهره في غضب أن اصمت..فيخسأ صامتا في الحال.
ثم تلتفت اليّ معتذرة عن هذا السلوك الشائن، فتفاجئوها تلك الابتسامة المرسومة علي شفتيّ..
-
لماذا تبتسم..؟!!
لماذا ابتسم..؟؟؟
كنت احسب هذا واضحا...
ابتسم لاني حزين طبعا..
ان خللا ما اصاب جهاز الاحساس البيولوجي عندي...
بحيث صرت ابتسم حين احزن..
وابكي حين افرح..
 
أشعر ان البكاء احساس اكثر صدقا للتعبير عن الفرح..!
-
أتعرف امرا..انا لم اعد افهمك..تفاعلك مع الاحداث لم يعد منطقيا..ونظرتك الي الحياة بشكل عام اضحت غامضه..
مابك..احك لي..كلي اذان صاغيه..
 (
ريم فتاة طيبه..لكنها -كعادة من في سنها- مغرمة بلعب دور الطبيبة النفسية التي خبرت الحياة وعركتها)
-
لا شيء يا (ريم) فقط انا غير راض عن ما افعله..
-
ماذا تقصد..؟
خروجنا هكذا..لقائنا..حديثنا في الهاتف..كل هذا سخف لا يليق بي أو بك.
-
ان كان يرضيك الا نلتقي بعد ذلك واكتفي
بالاطمئنان عليك بالهاتف فانا
...
- (
ريم) انت لا تفهمين..انا تحدث عن المبدأ نفسه..ان علاقتنا محرمة شرعا..
مصدومة متقطعة الانفاس تتسائل: من قال هذا..؟
لقد أكدت لي (ماجده) زميلتي -وهي ابنة احد الدعاة المعروفين- ان الحب ليس محرما..
-
هل (ماجده) هذه علي علاقة بأحد؟
نعم: تحب احد اقربها..
-
اذن فلا تصدقين حرفا مما تقول..انها تكذب عليك يقينا..

اسمعيني جيدا يا (ريم):
قد تبدوا مقاييس الاسلام بعيدة حقا عن واقعنا هذا..لاننا اعتدنا محاكمة الاسلام لمقايسنا..لا التحاكم الي الاسلام بمقاييسه..وهذا سبب ما نعانيه..لكنه لا يبرر او يصحح ما نفعله..
وثقي ان الاسلام لا يرضي ان يتسكع المنتسبون اليه في الشوارع هكذا تحت أي مبرر كان..
اننا نعصي الله باسم الحب..ونكذب باسم الحب..ونرتكب اشنع المخالفات ايضا تحت ستار الحب..
الحب قيمة عليا لا انكرها يا (ريم)..فقط انا اطالب بها في مقامها المشروع..لا اكثر ولا أقل.
ان رصيدا كبيرا يخصم من رجولتي وانوثتك لحظة كذبنا علي اهالينا لنتلقي معا..
مع كل لقاء كذبة جديدة -يخصم معها رصيد جديد-
حتي يأتي علينا اليوم الذي لا يبقي لنا فيه رصيد من طهر أو تسام
.
(
ريم فتاة طيبه..لكنها كعادة بنات جنسها لا تفقه حرفا واحد من كل هذه الفلسفه..ولا يعنيها كل ما قلته في شيء)
هي تعلم شيئا واحد فقط: (انه يريد ان يتركني..)
والجواب الوحيد لديها علي هذه الفلسفة الذكورية كان فلسفة انثوية من نوع اخر مختلفة نوعا..
صنبور من المياه المالحة إنهال من عينيّ (ريم)..ملايين من ألفاظ ومشتقات الرجاء التي يعجز صاحب القاموس المحيط نفسه عن حصرها.
 (
ريم فتاة طيبه..وهي تظن ان الحياة بسيطة لدرجة اني سأتنازل امام هذه الدموع عن قراري الذي اتخذته..
صدقيني يا (ريم)..الحياة اكثر تعقيدا من هذا بكثير)
وعلي وقع قطرات الدموع والنهنهه والكثير من المناديل الورقية التي ترمي بعد استعمالها..يترك اخاها الصغير تلك القطة المسكينة التي كان يتسلي بخنقها..ويقترب مني في سرعه وهو يكوّر قبضتيه مستعدا لتحويلي الي أسمال باليه..!
لكنها من بين دموعها تشير اليه ان توقف.
فيتظاهر انه توقف مرغما..ويزوي لي ما بين حاجبيه في اشارة الي انه ستكون هناك جولة قادمة حتما..!
-
هذا الفتي سخيف...-كان هذا اعتقادي دائما- لكنني اضيف اليه الان انه سخيف جدا..!
بعد برهة تتوقف (ريم) عن البكاء وتكف عن تلك الهستريا التي رأت انها لم تؤثر فيّ ذرة..
فأستغل فترة الصمت والهدوء هذه لأكمل:
(ريم) يا صغيرتي الرقيقه انا احترمك حقا ،لهذا لا ارضي لك ما لا أرضاه لاختي، واتمني ان تتفهمي وجهة نظري..
وصدقيني لو قررت الزواج في غضون الخمسين عاما القادمه فلن اجد افضل منك..!
أما هذه العلاقة فلن تستمر بعد الان.
وانا -يا صغيرتي- قد قرأت روايات كفاية لأعلم انك ستتعذبين طويلا..وستنتظرين كثيرا امام زجاج غرفتك حتي يطل القمر فتشكي اليه قسوتي..
ثم بعد ذلك تشكوني الي قطتك الصغيره..ثم الي صديقاتك واحدة تلو الاخري مع تحذيرهن من افشاء السر -الذي قد افشيته انت فعلا..!
سيستمر هذا بعض الوقت..ثم في احدي الليالي ستقولين لنفسك إنك بلهاء..واني لا استحق دمعة واحدة من دمعاتك الطهور..
وبعدها تقررين بشكل لا يقبل الجدل ان الرجال هم اشنع مخلوقات هذا الكوكب..ووقتها ستجاهرين بلعني فوق كل ارض وتحت اي سماء..
اعلم هذا يا صغيرتي -بل وارحب به ايضا ان كان هو طريقك للنسيان-
اما انا فبمجرد ان اتركك سأتظاهر بكوني امسح دموعي..وبعدما اعبر الرصيف سوف القي عليك نظرة سأحاول جاهدا ان تكون ملأي بالكثير من الحزن..
لكني اعدك..بمجرد ان استقل (الباص) وادفع ثمن التذكره، ثم اسمع (نكتة) او اثنتين من (نكات) بائع التذاكر البذيئه، فسأنسي هذا الامر برمته واضحك في تحفظ أولا..ثم في نهم بعد ذلك.
-.............!!
(
ريم فتاة طيبه..لكنها زكية كذلك..وهي تعلم ان الصمت في هذه الحالة افضل رد، حتي تترك الباب لي مفتوحا من ناحيه..وحتي يكون اخر ما اتذكره من ناحية اخري هو صورة هذا الملاك الرقيق الذي ادميت قلبه بكلماتي القاسيه..فيقتلني تأنيب الضمير..)
(
ريم) الان صامته..وربما مصدومه..وهي فرصتي للإنسحاب في هدوء..
وبطرف عيني القيت نظرة علي اخيها الصغير قائلا له في صوت خافت:
لقد كنت اتمني البقاء فترة اطول بجانب اختك فقط حتي تتسني لي تربيتك ايها الشيطان الصغير..لكن القدر هو الذي انجاك من يدي.
ينظر الي الغلام بغيظ شديد...فأتجاهله..واهرع مسرعا لعبور الرصيف..اشاور بيدي الي الباص القادم..اجد مكانا خاليا قرب (الشباك) فأجلس..
وإمعانا في الحبكة الدراميه لا انس ان القي علي (ريم) نظرة الوداع، ثم اغمض عيناي متصنعا الالم..
(ريم فتاة طيبه..وهي تعتبرني قاسيا جدا..لكنها مازالت صغيرة علي تفهم ان المباديء لا يمكن ان تتجزأ..وان صفة الرجولة لا تقبل ان تنضوي تحتها توافه التصرفات..ربما كنت فظا معك يا (ريم) لكن لم يكن امامي طريق اخر....وربما اغضبتك يا صغيره..
لكن مقابل اسعادك كان اغضاب الله..وهذا ما لا ارضاه
)
-(
محطتك يا كابتن)
كانت هذه من بائع التذاكر...
ولست ادري لماذا يصرون دائما علي نطقها بــ
(كابتشن!!) حاولت ان اجد لذلك اجابة منطقية وانا اصعد درجات السلم وأدس المفتاح في ثقب الباب..لكن عندما انفتح الباب نسيت كل شيء..فأمامي كان يجلس والدي وبجانبه صديقي (عصام) يتناولان الشاي..وبمجرد ان رأياني غمزا بعضهما البعض، وقال والدي ساخرا:
(
قلت لي الكتاب الذي طلبته من عصام كان يناقش قضية ماذا..؟؟)
ثم انفجرا هو وعصام في الضحك بصوت عال..
وامام المفاجأه..ونظرا لحساسية موقفي في تلك اللحظه فلم اجد بدا من  ان اشاركهم الضحك..بتحفظ اولا ثم بنهم بعد ذلك ..
(
ريم فتاة طيبه..لكني اعلم يقينا انها لن تغفر لي ضحكي بكل هذا النهم بعد نصف ساعة فقط من فراقها).........
                                       
تمـــــــــت،،
                                               
                                                        نورالدين..

                                                                                                                           

هناك تعليقان (2):

  1. تـحــفــــة :)

    ردحذف
    الردود
    1. ما انا عارف علي فكره...:)
      أخجلتم تواضعنا بكرمك يا أخي، ولابد ان تصير جميلة بعد تشرفنا بقراءتك لها،
      جزاكم الله خيرا يا أيها الأديب الحبيب.

      حذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..