الأربعاء، 1 أغسطس 2012

فراشة القمر../ قصة قصيره



وداعا ايتها الحورية التي لن تتكرر..
وداعا..فقد كنتي اجمل من ان تبقين طويلا..
استمرارك معنا كان سيضطر الزهورالي مضاعفة انتاج الرحيق..ثم يدفعها في النهاية الي الاستقاله..
كان سيجبر الشمس علي مضاعفة جرعات الضياء..
ثم يدعوها بعد قليل الي الخفوت..فالانزواء..
حتي القمر صديقك الاثير..بدت مخاييل الشحوب علي وجهه الوردي في فترة بقاءك القصيره فحسب..
وجودك اكثر كان معناه ان تتوقف المروج عن سحر الناس..وتتوقف النجوم عن خلب البابهم..وتكف الغيمات عن استرعاء انتباههم..
وجودك اكثر كان يعني ان تدخل الدنيا كلها في دوامة من الصمت..
لا جريان انهار..لا نمو نبات..لا رفرفة طيور..
صمت هاديء عميق..لا يقطعه سوي شهيقهم إن تنفستي..وانقباض قلوبهم إن تمايلتي..وخلجة صدورهم إن تلفتي.
انظري الي برعم الحديقه الذي انشغل عن متابعة نموه بمحاولة محاكاة رقتك ووداعتك..
تلمحي أسراب العصافير وقد تناست عشها بينما تحاول رسم صورة لضحكتك المشرقه في فضاء السماء..
شاهدي هذه الغزالة الصغيره التي انشغلت عن الفخاخ المنصوبة لها والصياد المتربص بها وهي تحاول تقليد مشيتك في تبختر..
اي سحر افضتيه من روحك علي كائنات الارض لتفعل كل هذا...؟
اي رونق قلدتيه من شفتيك ازهار الحدائق..وورود التلال لتختال هكذا..؟؟
اي اكسير بُحتي بسره الي النجوم لتتزيين بكل هذا البهرج الخلاب...
انا اسمع دائما عن حوريات السماء البارعات الجمال..فهل انت واحدة منهن..؟؟
اسمع دائما عن ساكنات البحر اللائي يخرجن في الليالي المقمرة ينشدن اعذب الالحان للبحارة الذين تهدهدم امواج السَحر...فهل صوتهن قريب من صوتك..؟؟
واسمع ايضا عن ساكنات الجزر البعيدة التي يواريها الضباب..وعن عيونهن التي تنبت في احداقها زهور النرجس..
فهل تمتّ اعينهن بصلة الي جمال عينيك..؟
ثم ما السر وراء تلك السعادة التي تنتاب الجميع بمجرد مرور طيفك علي ذاكرتهم..ما سر ذلك الهدوء الذي يكتنف نفوسهم كلما اقتربتي منهم..
ان ورائك سرا لم استطع سؤالك عنه..وما كنت احسبك تبوحين به علي اية حال..
ثم من ذا الذي كان يجرؤ عن سؤالك عن شيء..
ان امطرت السماء بردا طهورا فهل يجرؤ احد عن سؤالها عن مصدره..؟
ان تبهرجت الارض وارتدت ثوب الربيع الساحر فمن يسألها عن ذلك النبع الصافي الذي استقت منه هذه الاثواب..؟
ان تغنجت الزهرات فوق تلال كمبوديا وفي جنبات مروج قرطبه الغناء فهل ثم سائل عن الدافع وراء ذلك..؟
انها سماء فمن حقها ان تمطر ما شاءت..
وهي ارض ومن حقها ان تبدوا كيفما ارادت..
وهن زهرات بديعات الجمال فلهن مطلق الحرية بالتعطر بما شئن من الروائح..
فهل كنت امتلك القدرة علي سؤالك...؟؟
لا اظن..
حتي في المرة الوحيدة التي جرؤت فيها علي الاقتراب منك..وتشجعت للحديث معك..
اذهلتني كل هذه البراءة..والوضاءة..وادهشني ذلك الوهج الهاديء الذي يحيط بوجهك القمري...
هل اقسم اني رأيت اعشاب عينيك الخضراء تتمايل مع الهواء الخارجي..؟؟
وهل يصدقني احد لو اخبرته اني سمعت صوتك بدون ان تنفرج شفتاك...هذا ان كان الذي سمعته صوتا اصلا..!!
إذ لا اجد ما اشبهه به..انه ليس شقشقة عصفور..ولا نداء كروان..ولا حتي يشبه اي نغمة من نغمات الموسيقي التي اعرفها..
ربما هو مزيج من ذلك كله..
وربما كان مختلفا عن كل شيء سمعته من قبل..
فقط كل ما اثق به انه لا يمتّ بصلة الي الارض ومن عليها...
-امر اخر يثير حيرتي بشأنك:
اتذكرين حينما اهديتني تلك الفراشة..والتي لست ادري بعد كيف امكنك الاحتفاظ بها دون ان تفارقك طيلة مرافقتك لنا..
بعد رحيلك اختفت تلك الفراشه..
لكني -وانا مازلت اعرف الحد الفاصل بين العقل والجنون- اراها كل يوم عند منتصف الليل تطير امام القمر..!!
تدور حوله..تهبط..ترتفع مجددا..ثم تذوب في لا مكان..من حيث اتت من لا مكان..
لم تبقِ معنا طويلا..لكن كل ما يتصل بك كان لغزا كبيرا..!!
لقد انشغلنا جميعا بسحرك وتناسينا ان نفكر في ماهيته..
لم نلتفت الي هذا الا ابعد رحيلك عنا..
لكن قربك لم يدع لاحد فرصة للتعقل او للتفكير..
واصدقك القول ان احدنا لم يسأل الاخر عنك بعد رحيلك مطلقا..!
كل منا خشي ان يخبر الاخرين بما يدور بذهنه..فيتهموه بانه كان يحلم..او يتوهم.
كلنا من يوم ان سمعنا تلك الضحكة العالية المرعبة -المليئة بالرقة رغم ذلك- في وقت السحر، ورأينا ذلك الضياء العجيب اللون الذي اقترن مرآه بمرأي ستائر غرفتك وهي تتراقص في فزع..ومن بعيد هبت تلك الرياح الشبيهة بموكب من  الاجنحة البيضاء غير المتماسكة القوام...
وبعدها....
لا احد منا يذكر شيئا...!!
تأكدت من ذلك من نظرات الحيرة التي ارتسمت علي وجوه الجميع عند الاستيقاظ..لا ندري كيف نمنا..ولا سر ذلك الصداع الخفيف الذي يداري تحته فجوة زمنية في ذاكرة الجميع..
اراهم جميعا يتلفتون اليّ...
في اعينهم الف سؤال وسؤال..لكن لم ينطق احد..ولم يعلق احد ..ولم يتطوع احد بالاجابه..
بعدها هام كلّ منا بنفسه..مختليا بوحدته..منطويا علي ذاته..يجتر ذكرياته معك..ويتسائل في سره:هل من المعقول حقا اننا لن نراك ثانيه..؟؟
منذ رحيلك والسكون هو عنوانا..نحاول ان نتأقلم مع الحياة مجددا بلا جدوي..نحاول ان نفك عنا طلاسم سحرك بلا فائده..
لقد مثل مجيئك سرا لم نجد الوقت الكافي لسؤالك عنه..
ومثل رحيلك سرا اكبر لم نجد العقل الكافي لادراك كنهه.
لكنهم ينتظرونك...
هذا امر لا يحتاج الي كثير ذكاء لادراكه..
حين تخرجين من البيت بعدما اخلي النهار مسؤليته مما يمكن ان يحدث بعد رحيله وتجدين احدهم هائما علي وجهه وسط الادغال فتأكدي انه يفكر فيك.
حين تستيقظين في الثالثة صباحا لتجدين واحدا آخر لا يعبأ بكل تلك البرودة في الخارج غارقا في تأمل ورود الحديقة التي كانت تتمايل طربا عندما تقتربين منها..فثقي انه يطالع فيها صورتك..
وحين تخرج الطيور من اوكارها لتودي  ثمن ضريبة الضياء لتلك الشمس الوليدة التي تتحسس اولي خطواتها في الافق البعيد، فتجدين ثالثا محمر العينين لم يغمض له جفن طوال الليل ..فكوني علي يقين من انه يناجي طيفك..
-انهم ايضا يتألمون..
ولولا  بقايا من سحرك مازالت تغلف ارجائنا لشككت في قدرتهم علي الاحتمال اكثر من ذلك..
هذا حالهم...
اما انا..فان الكلمات لا تستطيع التعبير عما بداخلي..واللغة مازالت صغيرة لينة العود لتتحمل مصطلحاتها تبعة ترجمة ما اشعر به..
وحدها مفردات لغة الصمت التي فهمتها عنك دون ان تفتحي فمك هي التي يمكن ان تسعفني..
لهذا توقفت عن الكلام من زمن..ولم اعد اذكر من يومي سوي عينيك اللتين يتراقص فيهماالعشب الاخضر.. وخديك المفصلين من اوراق الورود..وفمك المدور كالمحاره..وتحتها صف الاليء الذي ينبض بالبهاء..
لماذا ادخلتني جنة الحوريات ثم اخرجتني منها ثانيه..؟
لماذا فتحتي لقلبي نافذة تطل علي سماء الجمال الخالد ثم اوصدتها في وجهي فجأه..؟
لماذا اخترتنا نحن دون بقية الناس لتقيمي عندنا..؟
ثم لماذا اختصصتني انا بالذات من بينهم بتلك الهديه..؟
تراك كنتِ تعلمين انك ستغادرينا فجأة..فلا يكون غير هديتك قنطرة لي الي ارض الصبر..؟
تراك كنتِ تعلمين انني علي ايقاع رقصاتها امام وجه القمر الفضي -الذي اري فيه الان صورتك- سأجلس كل ليلة لأفكر فيك..؟
وانه علي وقع نغماتها سوف اكتب هذه السطور التي لا ادري ان كنتي ستقرأينها في يوم ما ام لا...؟؟
كل يوم عند دقات منتصف اليل اسمع نداء القمر-اسمعه حقيقة لا مجازا-..!
مثل المسحور اترك كل ما بيدي واخرج الي الارض الفضاء ملبيا النداء ،ومعي تلك التحفة الزجاجية التي اهديتني فيها فراشتك..
 قطعة مزخرفة بزخارف عجيبة تماما ككل شيء خاص بك..
خطوط محفورة صعودا وايابا حول قاعدة بنية اللون..تتخللها اشكال سداسيه..
اترك التحديق في علبتك الزجاجية لاتابع رقصات الفراشة امام وجه البدر المنير..
كيف عرفت ان رقصات الفراشة قد ابتدت..؟؟
لا اعلم يقينا...لقد صرت اعرف اشياء كثيره دون دليل منطقي...
اغرق في متابعة دوران الفراشه..صعودها..هبوطها..توقفها عند مدارات معينه..ثم ايقاعها المتناغم البطيء حول دائرة القمر في اشكال سداسية متقنه..!!
شيء من الخدر اللذيذ ينفذ الي روحي جراء المشاهده..
لكن مهلا...
قاعدة مرمريه..قاعدة القمر..
رقصات سداسيه حول دائرة القمر..اشكال سداسية حول الاطار الخارجي..
الان فهمت..انها خارطه...
رسم يريد ان يوضح لي امرا..
خارطه مبدأها لا شك تلك البقعة المهجورة عند سد المدينة الدائري الشكل..حيث رأيناك اول مره..وحيث لم يجروؤ احد ان يذهب من قبل...
انت تريدين مني ان تبعك اذن...لذلك اختصصتني بتلك الرسالة من بينهم..
لكن ذلك المكان مخيف حقا..انه يثير في نفسي رهبة لا يمكن تخيلها..
قشعريرة باردة تزحف علي كل شريان في جسدك لتغلقه..
والقصص التي تدور حوله كلها مهوله..
وكبار السن يحكون حكايات مرعبة عما خلف ذلك السد..
ان احدا لم يجرؤ علي الدنو منه من قبل فهل افعل انا..؟؟
لكني كنت اعلم اني سأفعل..!!
انا لا اتحرك بارادتي..اعلم هذا...
كما اعلم ان نهايتي قد اقتربت..!!
المح في مخيلتي صورتي وان شاخص البصر..وعلي وجهي تعبير لم افهمه..
هل هو مزيج من الرعب المتدثر بالانبهار..؟؟
لا اعرف...
يقطع تفكيري صوت القمر وهويدوي في رأسي..يستحثني علي متابعة دوران الفراشه..
لكن كنت اعلم اني حينما ارفع بصري لن اجد الفراشه...بل ولن اجد القمر نفسه..وكنت محقا..
انه سد المدينة الدائري المخيف..
يدور حوله شيء ما لست ادري كنهه..لكنه لا يبعث الاطمئنان في النفس ابدا..
احس كان الارض من حولي تدفعني لأنهض..كأن حصاتها تتباعد لتمهد مكان لموضع اقدامي المرتقبه..كان الهواء يتفرغ من امامي ليتيح لجسمي حيزا...
سد المدينة يقترب..قلبي ينتفض..صوت القمر يتعالي في ذهني..
ابتسامتها تشرق علي مرة اخري..فيهدأ خوفي..
لكنه يتعاظم من جديد..ينبض قلبي بقوة اكبر..احملق فيما امامي بذهول..هل هذا الذي أراه من بعيد حقيقة...
هذا السد..وتلك الحوريه..وهذه الفراشه..انها..انهما..انهما...

___________
هذه الرسالة وجدها قريب لي يعمل قبطانا علي احدي مراكب السفر الشهيره في قنينة زجاجية ذات قاعدة بنية مزخرفة بشكل منمق بخيوط رفيعه محفورة في داخلها..تتجاوزها الي الخارج لترسم شكلا سداسيا هندسيا متقنا بدقة تثير العجب...
لقد وجدها قريبي هذا -كما يقول- علي احد الشوطيء المهجوره..وبقربها كانت ترقد (مذبوحة!) احدي الفراشات التي يقسم أنه لم ير مثيلا لها من قبل..!!
وهو ما اكده لي ايضا من كانوا معه علي سطح المركب..
الرسالة بداخل القنينه كانت مكتوبة بلغة انجليزية عتيقه (ربما هي لغة القرن السادس عشر الميلادي كما اكد لي احد اساتذة الادب الانجليزي في الجامعه)
وقد قمت بترجمتها بصعوبة بالغه.
قريبي هذا ليس أبله..(وهذا ما تأكده كل بنات العائله!، بل وربما تطوعت إحداهن بإضافة أنه وسيم كذلك.!!)..كما أنه ليس من النوع المغرم بالمقالب..وهذا يعني انه صادق.
ولان الحياة قاسية حقا فقد ضاع مني رقم العجوز/ رفعت اسماعيل..بل لعل هذا العجوز -وإمعانا في تعذيبي- قد مات اصلا..!
فإن تكرم احدكم بالبحث عن العجوز رفعت اسماعيل -المتخصص الوحيد الذي يفهم في هذه الامور- فليتكرم بإرسال هذه الرسالة اليه..
والا كان متروكا علي عاتقي وحدي مهمة فك شفرات هذه الألغاز العجيبه...
واني لأرجوا مساعدتكم..

فهل يعرف احدكم شيئا عما ورد بداخل هذه الرساله..؟؟
وهل يملك احدكم اجابة ما...؟؟
من ظن انه يعرف شيئا او يملك ادني إجابة فليراسلني مشكورا..

      

                                           نور الدين محمود