الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

المنطقة صفر..وحياة اللاحياة..!

 
أشعر انه لم يعد من حقي -ولا من صلاحياتي- ان افرح بالعيد..
ان أبيت طوال الليل احلم بشمس اليوم التالي التي تحمل لي مع قبسات الضياء، الفرحة غير المشروطه التي لا حد لها ولا منتهي.
لقد مضي ذلك العهد الذي كان يمكن لي فيه الوقوف أمام المرآه ناظرا الي نفسي في خيلاء، وممررا يديّ علي خصلة الشعر الناعمة المتدلية علي جبيني..
ومضي ذلك الوقت الذي كنت فيه جزءا لا يتجزأ من انطلاقة الحياة..وصخبها..وعنفوانها.
ان الفرح والبهجه، التعاسة والحزن والالم  اشياء اضحت كلها في مخيلتي نسبيه..
معادلات نظرية اكثر منها واقع عملي معاش.
ولقد ارتضيت لنفسي -بعد طول صراع مع الحياه- ان اتعامل مع الالم ومفرداته علي اعتبار كونه شيئا عابرا..
ضيف لن يلبث ان يرتحل..
طارق جائني في منتصف ليل الشتاء القارص لا يطلب شيئا سوي المكوث هاهنا حتي الصباح فحسب.
ان التفكير في الالم والحزن علي هذا النحو خلق ما بيني وبينه نوعا من الالفه..او المعاهدات شبه المكتوبه.
’’انا لن اتبرم من وجودك معي،وانت في المقابل لا تبد أي جلبة زائدة طالما أنت هنا’’..
وهي معاهدة قد طالما رأيتها عادلة مقبولة.
لكن مأساتها الوحيده هو انسحابها بالتالي علي حالات فرحي هي الاخري..
فصرت اتعامل مع السعادة..الفرح او البشري مثلما يتعامل اي لورد انجليزي عتيق بارد الملامح مع عصفور صغير اقتحم عليه شرفة منزله..
(أنت مرحب بك في بيتي برغم علمي التام انك ستتركني بمجرد أن  يذوب الثلج
عن الطرقات وتغسل الشمس عن الازهار دمع السحاب ويصبح في امكانك الرحيل بأمان)...
بهذا البرود وبتلك اللا مبالاة صرت اتعامل مع نوازلي..ومفردات ايامي..
بمنطق المتفرج الذي ينظر للحياة باعتبارها فيلما يدور امامه علي شاشة فضية صغيرة الحجم.
لهذا تراني دائما اميل بجذعي مادا قدميّ لأعبر ذلك الحاجز الخرافي الشفاف، واخرج من خلال تلك الشاشه متحررا من قيد المشاهد الداخليه، لاجلس في الجهة المقابلة  متكئا علي اريكة مريحة، مستمتعا -دونما اهتمام يذكر!- بما يدور داخل الشاشة من احداث ، وبما يعرض عليها من مشاهد..
افعل ذلك بحيادية تامه...بلا أية مشاعر..او انفعالات.
ان حالة الهروب المقنعة هذه -وان كانت تحرمني من لذة الاكتواء بمباهج الحياة ومسراتها- ساعدتني كثيرا جدا لأن ابقي حيا متمتعا بما تبقي لدي من بقايا عقل حتي الان.
اعلم انني هكذا احيا صورة سلبية من الحياة..اشاهد الحياة دون ان اتفاعل معها..
حياة اللا حياة ان صحت هذه التسميه..
لكن هذا الاسلوب في العيش، وتلك الطريقة في معايشة الحياة هي الوحيدة التي تؤمن لي ان لا مزيد من الجراحات الغائره التي لن تدواي..
ولا مزيد من الالام التي تنهش مع كل الم جديد قطعة جديدة من قلبي المنهك.
- انها حياة اللا حياة.. لكني لا اري نفسي -بعد كل ما مررت به- مخيرا في سلوك طريق اخر غير هذا..
- انها حياة اللا حياة .. لكنها افضل في نظري من حياة مفعمة بالالم والحسرة والندم.
اعلم انني هكذا لا احيا...لكنني ايضا لم أمت..!
انها حالة تعادل فريدة بين قطبي روحي..السالبة والموجبه.
حالة تساوي بين احزان الحياة وافراحها.
وهي حالة تؤمن لي العيش -لبعض الوقت- في تلك المنطقة الصغيرة الفاصلة، وذلك الخيط الصغير الحاجز بين الألم والامل..بين المحنة والمنحه..
 انها منطقة اشبه بمناطق انعدام الوزن التي يساوي الزمن فيها صفر..
    ويساوي فيها الحزن والفرح ايضا صفر..
انها المنطقة صفر بكل ما يعنيه ذلك التعبير من ايحاءات..
لهذا استمتع حقا بالتفكير في حياتي التي مضي منها ما مضي ومازالت محصلتها صفرا..!
ان هذا امرا يقتل فيك ما بقي لديك من احساس..
فلا يكون ثم امامك الا الهروب من جديد..والانزواء اكثر واكثر داخل المنطقة التي ارتضيت ان تقضي ايامك فيها..
المنطقه صفر.
-هل جرب احدكم ان ينزع مشاعره من قبله ثم يغلفها جيدا ليقم بوضعها داخل (فريزر) ثلاجة حفظ الاطعمه..؟
-هل حاول احدكم ان يطفيء ردهة الاستقبال الرئيسية داخل عقله، ويسدل الستائر السوداء القاتمه علي نوافذ الأمل فيها،  ثم يجذب من خلفه باب ذاكرته ليوصده في عنف، ليقف خارج عقله المظلم وذاكرته الموصده وامله المحجوب غارقا في تأمل رقصات الظلام السرمدية المجنونة وهي تتخبط داخل جدران اللاوعي عنده..؟
-هل تخيلت نفسك وقد صادرتَ ضحكاتك، واعتقلت افراحك، وقمت بسجن كل ما يثير فورة  الحياة داخل انسجة جسمك وأوردته، خلف باب حديدي ضخم صديء، من ابواب قلاع العصور الساحقه..؟
-هل فكرت في رهبة ان يضع الانسان يده ورجليه ومستقبله وماضيه داخل سجن زجاجي شفاف..مكتفيا بالتفرج علي نفسه من بعيد..؟؟
ان اردت معايشة ذلك كله..ففقط جرب الاقتراب من المنطقه صفر..
صفر الحياة..والشعور..والاحساس.
وحينها ربما كنت في غني عن قراءة كل ما كتبت..
لانك ستعايش احرفي ومقاصدي بشكل اكثر تجسيما واكثر قربا وملامسه.
-انها حياة اللاحياة..اعلم هذا..
لهذا افكر جديا في الموت باعتباره صديقا عزيزا قد طال انتظاره..
 وباعتباره مخلّصا يملك ان يهبني من فيه (قبلة الحياه)
ان الناس دائما تنظر للموت علي اعتباره نهاية الحياه..
بينما انا -علي حد علمي- الانسان الوحيد الذي ينظر للموت علي اعتباره البدايه.
وهي بداية ربما قد لا تغري الانسان ان يتشوق لها ويقضي الوقت مفكرا ماداً ذراعيه علي امل اصطيادها.
لكنني اعتقد اني بحاجة إلي شيء في عظمة وفخامة الموت المفعم بالقسوة كي ينتشلني من براثن الكابوس الجاثم فوق صدري.
                  بحاجة أن اموت حقا..كي أحيا من جديد.

                                                                     نورالدين




      
        

هناك 4 تعليقات:

  1. (ان اردت معايشة ذلك كله..ففقط جرب الاقتراب من المنطقه صفر..
    صفر الحياة..والشعور..والاحساس.)لطالما حلمت وتمنيت أن أقترب من هذه المنطقة ولكني لم أستطع وفي كل مرة ألوم نفسي أي حياة هذه التي تطلبين ؟؟؟؟؟ ألست وأنت تعيشين الآلام ورغم قسوتها القاتلة في أغلب الأحيان تشعرين رغم الألم أن بساطا سحريا يحلق بك عاليا عاليا حتى لكأنك تشعرين لتلك الآلام دغدغة غريبة في أعماقك تحيي أملا ناضرا في حنايا فؤادك ؟؟؟بالأمس حفيدتي قدّر الله لها أن تقع من فوق السرير وهي ابنة الشهر بعد السنة هي شعلة من الذكاء والحيوية ,لايملك من يراها إلا أن تملك فؤاده ... الحبيبة( ألمى) اصطدم رأسها بحرف درحها ونقلناها للمستشفى وهي بين الموت والحياة, قلبي تفطر من الحزن عليها ودموعي لم ترقأ ألما لما أصابها ولساني لم يفتر من الدعاءلها وفي خضم هذا المشهد وأنا أتابعها من الطوارىءإلى الاتصالات بأمهر الأطباء من معارفنا إلى غرفة الجراحة إلى العناية المركزة إلى منظرها الشاحب إلى ابنتي الملتاعة وكل أفراد الأسرة لوحة من الأحزان قاتمة وتشابكت بلوحة أخرى ذادت فؤادي نزيفا لوحة من بلدي الحبيب سوريا والجرحى لايجدون طبيبا !!!والجرحى لايجدون ضمادا ولابنجا ولا قلبا رحيما يتلهف لحالهم يدعو لهم يرقيهم يمسح على رؤوسهم, فالحالات كثيرة والأوضاع خطيرة ..... ومّن الله علينا بزوال الخطر وأحسست عندها بحال المحارب الذي غادر لتوه ساحة المعركة والجراح تنزف والغبار يزكم أنفه وفجأة جاءني خبر بأن إحدى صاحباتي وقد فقدت ولدها الأكبر منذ شهرين ولم تر الثاني منذ سنتين يطل عليها الغائب ويؤنس وحشتها في غربتها فإذابقلبي يطير فرحا ولساني يترجمه حمدا لله وشكرا يارب.... لا لا أريد حالة الصفر مادمت على قيد الحياة سأظل أفرح وأحزن سأظل أبكي وأضحك لا لأني أكره الموت فالموت موعدي مع ملك الملوك العظيم الودود الذي أطمع منه أن يثيبني عن كل خفقة قلب وحركة جوارح كانت له وحده (عفوا إن أطلت) ولكنني واثقة أنك لست من تكتب فأنت لم ولن ترضى بموت في الحياة أنت من تحرص على حياة ولو بعد الممات حياة في سجل العابدين المخلصين وقلوب العاملين وحياة على الأرائك في عليين وما أخالك أبدا من القانطين ملأ الله قلبك نورا وفكرك بصيرة ودمت برعاية الله

    ردحذف
    الردود
    1. أولا: الف مليار حمدا لله علي سلامة الأميرة الصغيرة (المي)، لا تتصورين كم حزنت حين علمت بما حدث لها، ولا تتصورين كذلك مقدار فرحتي حينما قرأت نبأ إكرام الله لها بالمعافاه..
      وهما حزن وفرح متوهجين هذه المره بعيدا عن (شعوري الصفري) المعتاد.
      حفظها الله ووقاها -ومن تحبون- من كل سوء.
      _____
      ثانيا: بخصوص إطالة فضيلتك فهي أمر سعدت به أكثر مما كتبته أنا..
      فشرف عظيم جدا ان تتكرمين سيادتك بالتعليق من الأساس..
      ______
      ثالثا: انا شاكر لكم حسن ظنكم...وأسألكم الدعااء..
      فأنا في حاجة ماسة اليه حقا..

      حذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وشكر الله لكم لله ما أعظم كرم الله كم نحن بحاجة أن نستشعره ونطيل سجودنا وتستغرق قلوبنا امتنانا لخالقنا . فالحمد لله إن هدانا للحق وبصّرنا بصراطه المستقيم وحقا عليك يا من وهبك الرحمن قلما لايجري إلا على مساحات الصدق والوضوح في روائع البيان أن تزين ماتكتب بمراجعات وتعقيبات تعّلم من يبحر في بحر كلماتك أن النفس إذا ما حاولت الجموح نلجمها بلجام الإيمان والثقة بالواحد المنّان فإذا بها تضفي على ماتخطه أناملنا إشراقة النور في عالم موحش وتؤكد للبشر أن ما بداخلنا من سعادة الإيمان أقوى وأشد ثباتا من وحشة الواقع كيف لا ونحن نستمدها من الله نور السموات والأرض , دمت نورا تهتدي بك نفسك التي بين جنبيك وتجلو ظلمة الصحاري المقفرة في قلوب الآخرين , تعيش الضياء وتزجيه أفراحا تتغلغل في أعماق جيل عانى الكثير وفقك الله لمايحب ويرضى وزادك منه قربا ومن مشكاة دينه اقتباسا وعملا وأضفى عليك سعادة من قال إنا والله لفي سعادة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف اللهم ارزقنا إياها ولاتحرمنا منها والله يرعاكم

    ردحذف
  3. هل جرب احدكم ان ينزع مشاعره من قبله ثم يغلفها جيدا ليقم بوضعها داخل (فريزر) ثلاجة حفظ الاطعمه..؟
    -تعبير رائع يصور ما نشعر به من اغتراب وعزلة حتى عن مشاعرنا .

    ردحذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..