السبت، 2 أغسطس 2014

أحبك...أكرهك..! / خاطرة.



في الحب والبغض لا توجد حدود..ولا توجد مسافة آمنة يمكن لنا اجتيازها في اطمئنان..
ان كل ما هو خارج عن النمط المألوف للحياة لهو تجربة غير محسوبة بلا شك..
ولا أحد يعلم -حتي صاحب التجربة نفسه- متي يستطيع التوقف..هذا هو الأمر المؤكد الوحيد، 
وكل ما عدا ذلك ليس الا حالة من الادعاء.
هناك أشخاص إن أحبوا فانهم يحترقون حتي آخر قبس من ضوء بداخلهم..يتحولون الي حالة أشبه بـ(النرفانا)..الذوبان الكامل في شخص من يحبون..فيفرحون لفرحه أضعاف ما يفرح..ويحزنون لحزنه أكثر بكثير مما يمكن ان يتخيل أحد.
وكذا في حالة الكره..أعرف شخصا كره إنسانا ما..فظل ذلك الكره الشديد يغلي مراجل قلبه حتي أتي عليه وأسلمه الي قائمة طويلة من الأمراض التي يحتاج اكتسابها الي عمر كامل..
والقاعدة في ذلك كله هي أن: لا قاعدة.
فالحب أو الكره المبني علي قواعد هو حب أو كره غير صادق لا شك..!
الشخص الذي يضع خطة مرسومة لحبه يصلح كمدير لشركة دعاية كبري وليس كحبيب.
ومن يكره الي درجة ما محددة وواضحة المعالم لم يكره علي الحقيقة..بل هي تشنجات عصبية مؤقتة سرعان ما تزول وتنتهي.
لهذا تفشل أكثر قصص الزواج..لان اصحابها يخططون لها المدار..ويطالبون قلوبهم بأن تدور في ذات الفلك..المحدود..والمميز المعالم.
والمنطق ذاته ينطبق علي البغض..إن البغض حالة عارمة وشاملة..حالة تستعمر خلاياك كلها..
في البغض لا يصح ان توجد بداخلك خلية علي الحياد..ان لم تبغض بكل ما فيك من احاسيس ونبضات عروق..فأنت لم تزل تقف علي الشط البعيد..علي الضفة الاخري ولم تلج منطقة التماس بعد.
هذه مقدمة ضرورية كي نعيد علي ضوئها تقييم مشاعرنا وما نحس..ونتوقف -ولو قليلا- عن اطلاق الكلمات جزافا دونما أرضية حقيقية تستند اليها..
فلا اتصور ان يدعي انسان انه يحب انسان ثم يتخلي عنه في يوم ما..او يفضل عليه ايا من ماديات الحياة..او يقيس عمره معه بمكسب الربح والخسارة..
وبالمثل لا افهم ان يقول انسان انه يكره انسان ما ثم يتجاوب معه في كثير او قليل...
كلما حاولت تصور ذلك وجدت الاشمئزاز هو الشعور الاصدق الذي يعتريني كي اؤلف بين هذه المعادلة المتضادة..
ولهذا ربما اعتقدت دوما أن محمود درويش كان عبقريا وصادقا وإنسانا قديرا
عندما قال لسجانه يوما :
( لا أحبك..لا أكرهك..قلبي ملييء بما ليس يعنيك).
فدرويش لا يحب السجان لانه يتولي تعذيبه، وكبح جماح حريته، لكنه كذلك لا يكرهه لأنه يعلم أنه مجرد مأمور وتابع لا يقوي علي الرفض..
لهذا لم يستطع درويش ان يبني رأيا نهائيا وخالصا، لأنه كشاعر قدير وإنسان عظيم يدرك معني ما تحمله مدلولات: أحبك..أو أكرهك، ويدرك أيضا انهما كلمتان لا تقالان لمجرد تسجيل موقف وحسب، وأنهما ليسا النهاية..بل البداية..بداية الذوبان فيمن نحب..او اعلان الحرب الضروس التي لا هوادة فيها علي من نكره.
فليسا الحب والكره لعبة مصطلحات إذن، وليس مردهما بالامر الهين الذي نختلج عند تعريفه..
او نغمض العين عن تبين منتهاه..
وانها لنفس شريفة تلك التي تقف عند الحد الواضح لمدلول الشعور الذي بداخلها..ومضمونه..فتُخلص لما تحس..وتنقادُ لما تشعر، غير انها لا تبادر ببلورته في صورة مصطلح الا بعدما تبلو ما بداخلها مرة بعد مرة بعد مرة..
هذا يقي قلوبا كثيرة من الأوهام..والوجع.
ويجعل حياتنا اكثر وضوحا..وبساطةـ بعيدا عن التعقيدات التي تفرضها الظروف.
واني إذ أرثي لأحد في هذا الكون فلست أرثي أعظم الرثاء الا لمن امتلأت سلال قلبه وامتلأت انهاره بثمار ونماء الحب..وعاين وقع هذا الشعور وموجدته علي فؤاده ثم يضطره واقع الحياة الي الفراق..والبعد عن مصبه الذي ينتهي اليه.
وبالمثل ذلك الذي وضع البغض حجر الأساس لآلآف وآلاف السدود بينه وبين شخص اضطرته الظروف ان يحيا معه تحت سقف واحد..بينما هو آخر من يفهمه..أو يمثله..أو يمكن لروحه التجاوب معه..
ان افتراق الأمثال واجتماع الاضداد ألم لا يعادله ألم فيما أري..وان حياة اقتضت ان تتعايش مع ضدك..او تبتعد عمن هو مثلك، لهي حياة لا تستحق أن تعاش من وجهة نظري...
حياة أهون منها الموت، وأرحم منها نزول القضاء.

محمود
2/8/2014

هناك 4 تعليقات:

  1. موجعه
    توعدنا منك على الوجع بكتاباتك
    aya

    ردحذف
  2. فتحت لفكري أفقا جديدا..كعادتك..اشكرك..
    (انا)

    ردحذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..