السبت، 15 يونيو 2013

لمسآءٍ آخر..أكْتُب.



أُكتب يا (هيبا) ولا تخش شيئا، فلن تزيد كتابتُك الأمر سوءا، ولا أظن أن أحدا سيقرأ ما تكتبه قبل مرور سنين، فاكتب الليلة كي تكون.
                                             عزازيل/ رائعة د. يوسف زيدان
- - - - - - - - -

هازئا بالحياة وما فيها، حاملا بداخلي رغبة عارمة في إلقائها وراء ظهري بكل ما تحمله من ألم وأمل،
مشتاقا الي لحظات أتجرد فيها عن ماضيّ ومستقبلي،
أقف أمام شط البحر في ساعة الغروب..
الموج يتهادي في مسمعي بين الصخور برقة وانسيابية،
  طيور النورس يلامسني صوتها القادم من لا مكان، صانعا موسيقي شاعرية من تلك التي تصلح كخلفية لحلم جميل.
في مثل هذه الساعة يندر أن يوجد أحد قرب الشاطيء،
 العشاق يطوفون علي البحر مساءا، ومن يشتكي الوحدة يسري اليه مع أنفاس الصباح.
لهذا أستمتع حقا بقضاء هذه اللحظات القليلة متدثرا بفراء الشفق الأحمر،
سابحا بين أعطاف النسيم المحمل بروائح المساء الوليد.
وحيدا كما العادة، لا يرافقني سوي الحنين الي شخص أعلم انه يتمني ان لو كان معي الان،
لكنه الان بعيد..،
أبعد من قُبلة لا تصل،
ومن زفرة ضلّت طريق الرجوع.
إحساس جميل هو شعورك ان هذا البحر لك، انك سيد الموج، وملك الشاطيء المتوّج.
انثني علي قدميّ لتلامس يديَ الرمل المبلل بالماء، كاتبا عليه بخطي العفوي المرتجف:

(خـذ بيدي أيها المستحيل..)
لكن الموجه القريبة لم تعط المستحيل حتي فرصة للرد،
فمحت ما كتبت كأن لم يكن.
وهكذا يمحي في حسّنا كل شيء..
صوت الوجع يعلوا بداخلي، لكنني مصمم ان لا افتح له مجالا الان،
انا في حضرة البحر،
وفي حضرة البحر يتضاءل كل شيء..
حتي الحزن والوجع.
بخطوات رتيبة هادئة استكمل المسير وقد تلبس الافق بلون السواد.
للبحر سحر غامض في المساء، سحر ممزوج بالرهبة والغموض.
ومن بعيد وقعت عيناي علي مكتبة الاسكندرية،فبدا لي أن  (هيبتايا) الرائعة ترمق البحر -من احدي النوافذ القمرية- في خشوع وتبتل، وتلمحت أثر خطاها تزرح المكان جيئة وذهابا،
(هيبتايا) فيلسوفة الاسكندرية الخالدة،
(هيبتايا) التي كل شيء فيها هو أجمل من كل شيء.
وكذا تذكرت الراهيب (هيبا)، الغريب مثلي، الظاميء الي المعرفة وإلي اكتشاف اغواره مثلي.


(فى لحظة ما أدركت أننى لا أعرفنى..!
أنا آخرْ.. آخرُ غير هذا الذي كان، ثم بان
)

هكذا كان يحدث عن نفسه..
وهكذا اقول انا ايضا عن نفسي..انني لا اعرفني.
كأن شخصا غريبا حلّ في جسدي..لكنه شخص ودود لا أُنكر.
هذا كل ما اعرفه عنه الي الان..
لهذا تطول وحدتي هذه الايام شيئا فشيئا..
محاولا التعرف الي ذلك الغامض الجديد.
لكننا لم نعد نتصارع.
توقفنا عن فعل ذلك واقتنع كل منا انه الاخر.
ولأن الحياة لم يعد ثمة ما يغري فيها، فانا استمتع حقا بتلك الللحظات التي اقضيها معه،
انه يفهمني، يتقبلني بكل ما انا عليه من مساويء.
انه ودود..
ولا اريد ان اعرف عنه أكثر.
انني اغرق في مستنقع نفسي..
وخير لك الا تعرف نفسك، وخير لك الا تحاول اصلا.
ان اغراء النبش بداخل النفس للتعرف عليها لهو جنون مطبق.
كأنك تنبش مقبرة تماما، مقبرة أثرية ربما تجد فيها كنزا ثمينا، او حشا خرافيا من وحوش الأساطير.
ولهي تجربة مرّّة تمنيت لو لم اكن قد خضتها.
لكنني لم افعل ذلك مختارا..!،

شيء ما غامض قد اخذ بيدي الي هناك، الي اعمق السراديب بداخلي وأشار الي ان ادخل ثم مضي..
وكانت صدمة ان اكتشفت ان ما بداخلي يرتجف بردا، وانني لست بتلك الصلابة التي ابدوا عليها.
وكانت البداية.
لكن النهاية فيما يبدوا لازالت بعيدة.
وأظنها أبعد من ان يكتشفها شخص بمفرده.
لهذا يحنّ الناس دائما الي الماضي،
ففيه كنت بسيطا عفويا غير معقد بتهاويل الحياة.
وفيه كنت محاطا بالأحبة يتسارعون ليصبغوا روحك بأقنعة البهجة والفرح.
وعلي ذكر الراحلين ينفعل الموج ويتطاير رذاذه ليغسل وجهك.
تضحك وكان يدا بضة لطفل صغير هي من لامستك.
نفس عميق -اعمق من كل ما تشعر به- يملأ صدرك.
انني حقا فرح وسعيد لوجودي هنا الآن،
ليس ذلك الفرح الذي يكسو تقاسيم وجهك،
فهذا فرح قد نُسخ.
انما هو فرح الروح، وابتهاج الاحاسيس.
ان الليل لم يزل بكرا في أوله، والبحر يزاد سحرا كلما ابحر زورق الليل في الأفق،
ستكون ليلة فريدة في ليال العمر..
اثق بهذا،
فقط بشرط الا اتذكر الماضي الا بقدر انحصاره في ذكريات من أحب.
ولا أفكر في المستقبل المشوش غير متضح المعالم،إلا بقدر ما أرجوه فيه من أمل.
وألا أسرف في التجديف بداخل بحري الذاتيّ كي لا أغرق..
ومن جديد علي الرمل أكتب:


(وردة في الماضي..وردة في الحاضر..وردة في المستقبل)
.
وأغرق..0.0
                             


                              محمود،،،
                                    الخميس 13/6/2013
                                  الأسكندريه

هناك 3 تعليقات:

  1. رائع أن يترجم المرء أحاسيسه ويعرضها بصورة آخاذه تسرح بقلب وفكر القارئ ليتقمص في مساحات كثيرة منها شخصه ... ولكني قد أختلف في بعض أحاسيسي فأعدل في اللوحة ,,,, هاهي موجات البحر تنحسر ليتراءى لي كلمات كأنها منحوتة في الصخر تعلمني وتعلم كل من مرّببعض ما مررت به حروفها مضيئة مشرقة تنادي : ألا تسمعها ؟؟؟ كرم الله أوسع , وهو سبحانه يناديك إني على كل شيء قدير وماعندي خير وأبقى ,,,,,,,أعطاك الله يانور من خزائنه خيرا مما فقدت ورفع درجاتك وشرح صدرك

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين، وعودا حميدا لسيادتك، وشكرا جزيلا علي كل هذا التكرم من قبلكم.

      حذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..