الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

مرثية بلقيس....


 
 
* * *
بلقيس
كـــانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس
كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي
ترافقها طواويس .. وتتبعهــا أيائل
بلقيس .. يا وجعي
ويا وجع القصيدة حين تلمســها الأنامل
هل يا ترى
من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل ...؟
يا نينوى الخضراء
يا غجريتي الشقراء
يا أمواج دجلة
تلبس بالربيع بساقها ... أحلى الخلاخل
قتلوك يا بلقيس
أية أمة عربية ... تلك التي
تغتال أصوات البلابل ..؟
أين السمؤال ..؟؟ والمهمل ..؟؟
و الغطاريف الأوائل ...؟؟
فقبائل أكلت قبائل
وثعالب قتلت ثعالب
و عناكب قتلت عناكب
قسما بعينيك اللتين إليهما
تأوي ملايين الكواكب
سأقول يا قمري عن العرب العجائب ..
فهل البطولة كذبة عربية
أم مثلنا التاريخ كاذب ..؟؟
 
 
 
 
 
 
* * *
بلقيس
مطعونون .. مطعونون في الأعماق
والأحداق يسكنها الذهول
بلقيس
كيف أخذتِ أيامي ... وأحلامي
وألغيت الحدائق و الفصول
يا زوجتي
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياء عيني
قد كنتِ عصفوري الجميل
فكيف هربتِ يا بلقيس مني ...؟؟؟
بلقيس
هذا موعد الشاي العراقي المعطر
والمعطر كالسلافة
فمن سيوزع الأقداح .. أيتها الزرافة ...؟؟
ومن الذي نقل الفرات لبيتنا ..؟؟
وورد دجلة و الرصافة ..؟؟
بلقيس .. إن الحزن يثقبني
وبيروت التي قتلتكِ .. لا تدري جريمتها
وبيروت التي عشقتكِ
تجهل أنهــا قتلتْ عشيقتها
وأطفأت القمر
 
 
* * *
بلقيس
يا كنزاً خرافياً
ويا رمحاً عراقياً
وغابة خيزران
يا من تحديتِ النجوم ترفعاً
من أين جئتِ بكل هذا العنفوان ...؟؟؟
بلقيس
أيتهــا الصديقة والرفيقة
والرقيقة مثل زهرة أقحوان
ضاقت بنا بيروت ... ضاق البحر
ضاق بنا المكان
بلقيس ما أنتِ التي تتكررين
فما لبلقيس اثنتان
بلقيس
تذبحني التفاصيل الصغيرة في علاقتنا
و تجلدني الدقائق والثواني
فلكل دبوس صغير .. قصة
ولكل عقد من عقودكِ .. قصتانِ
حتى ملاقط شعركِ الذهبي
تغمرني .. كعادتها ... بأمطار الحنانِ
و يعرش الصوت العراقي الجميل
على الستائر .. والمقاعد .. والأواني
من المرايا تطلعين
من الخواتم تطلعين
من القصيدة تطلعين
من الشموع .. من البدور
من الغمام الارجواني
بلقيس .. يا بلقيس
لو تدرين ما وجع المكـــان
في كل ركن أنتِ حائمة كعصفور
وعاقبة كغابة بيلسان
فهناك كنتِ تطالعين
هناك كنتِ كنخلة تتمشطين
وتدخلين على الضيوف
كأنك السيف اليماني
 
 
* * *
بلقيس
يا صفصافة أرخت ضفائرها عليّ
ويا زرافة كبرياء
بلقيس
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عرب
ويأكل لحمنا عرب
ويبقر بطننا عرب
ويفتح قبرنا عرب
فكيف نفر من هذا القضاء ..؟؟
فالخنجر العربي .. ليس يقيم فرقاً
بين أعناق الرجال
وبين أعناق النساء
بلقيس .. إن هم فجروكِ .. فعندنا
كل الخناجر تبتدي في كربلاء
وتنتهي في كربلاء
لن أقرأ التاريخ بعد اليوم
إن أصابعي اشتعلت
وأثوابي تغطيها الدماء
ها نحن ندخل عصرنا الحجري
نرجع كل يوم .. ألف عام للوراء
البحر في بيروت
بعد رحيل عينيك استقال
والشعر .. يسأل عن قصيدته
التي لم تكتمل كلماتها
ولا أحد ... يجيب على السؤال
الحزن يا بلقيس
يعصر مهجتي كالبرتقالة
الآن ... أعرف مأزق الكلمات
أعرف ورطة اللغة المحالة
وأنا الذي اخترع الرسائل
لست أدري كيف أبتدي الرسالة ...؟؟
السيف يدخل لحم خاصرتي
وخاصرة العبارة
 
* * *
بلقيس
يا قمري الذي طمروه مابين الحجارة
الآن ترتفع الستارة
الآن ترتفع الستارة
ســـأقول في التحقيق :
إني أعرف الأسماء .. والأشياء .. والسجناء
والشهداء .. والفقراء ... والمستضعفين
وأقول إني أعرف السياف قاتل زوجتي
ووجوه كل المخبرين
وأقول : إن عفافنا عهر
وتقوانا قذارة
وأقول : إن نضالنا كذب
والآن لا فرق
ما بين السياسة والدعارة ...!!!!!
ســـأقول في التحقيق
إن زماننا العربي مختص بذبح الياسمين
وبقتل كلّ الأنبياء
وقتل كلّ المرسلين
حتى العيون الخضر .. يأكلها العرب
حتى الضفائر والخواتم
والأساور والمرايا .. واللعب
حتى النجوم تخاف من وطني
ولا أدري السبب
حتى الطيور تفر من وطني
ولا أدري السبب
حتى الكواكب والمراكب والسحب
حتى الدفاتر والكتب
وجميع أشياء الجمال
جميعهـــا .... ضد العربْ
لمّــــا تناثر جسمك الضوئي
يا بلقيس .. كـلؤلؤة كريمة
فكرت .. هل قتل النساء هواية عربية؟؟
أم أننا في الأصل محترفي جريمة؟؟
 
* * *
بلقيس
يا فرسي الجميلة .. إنني
من كل تاريخي خجول
هذي بلاد يقتلون بها الخيول
هذي بلاد يقتلون بها الخيول
من يوم أن نحروك
يا بلقيس ... يا أحلى وطن
لا يعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن
لا يعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن
مازلت أدفع من دمي ... أغلى جزاء
كي أسعد الدنيا .. ولكن السماء
شاءت بأن أبقى وحيداً
مثل أوراق الشتاءْ
هل يولد الشعراء من رحم الشقاءْ ..؟
وهل القصيدة طعنة
في القلب ليس لها شفاءْ ..؟
أم أنني وحدي الذي
عيناه تختصران تاريخ البكــاءْ ..؟
 
 
 
 
* * *
ماذا يقول الشعر يا بلقيس
في هذا الزمــانِ ..؟ماذا يقول الشعر ؟؟
في العصر الشعوبي ... المجوسي ... الجبانِ ..؟
والعالم العربي
مسحوق ... ومقموع ... ومقطوع اللسانِ
نحن الجريمة في تفوقهــا
فمــا (العقد الفريد) ... ومــا (الأغاني) ..؟؟
أخذوكِ أيتها الحبيبة من يدي
أخذوا القصيدة من فمي
أخذوا الكتابة والقراءة
والطفولة ... والأماني
بلقيس ... يا بلقيس
يا دمعــاً ينقط فوق أهداب الكمانِ
علمت من قتلوك أسرار الهوى
لكنهم ... قبل انتهاء الشوط
قد قتلوا حصاني
بلقيس
أسألك السماح ..... فربمـــا
كانت حياتك فدية لحيـــاتي
إني لأعرف جيداً
أن الذين تورطوا في القتل ... كان مرادهـــم
أن يقتلوا كلمـــاتي ..!!!!
 
.......


                                                                           شعر / نزار قباني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..