الأحد، 16 أكتوبر 2011

لعنة المتاهة...ومسرح الحياة


                       
ها انا ذا مرة اخري اعزف علي اوتار الالم..وأوقع علي قيثارة الاحزان..غير عالم ما الجدوي من كل هذا...وما الذي انتظره من نفث اناتي  في صورة حروف...ومن ترجمة الامي  واحزاني  علي شكل  كلمات وجمل.
واني لأتسائل...اتري قيثارة الالام هذه التي اعزف علي اوتارها الشبيهة بنياط قلب يتمزق هي نفسها التي وقع عليها المحزنون قبلي..وهي بذاتها التي لطالما تغني علي نغماتها المكروبون الذين قطعت اقدامهم الطريق الي عالم الفناء ؟؟                      
ام انه لكل قلب قيثارة حزن..ولكل نفس قصيدة دمع..ولكل روح ملحمة خاصة  بها؟؟؟...
ان الاحساس بعدمية ما تفعله لهو شيء قاتل..والشعور بانك انما تتحرك  بلا هدف ولا غاية ...فقط حتي لا تصاب اعضائك بتصلب الكمون لهو امر  محطم...
ثم تكون المصيبة العظمي حين تحس انك مجبر علي الدخول في صراع مع خصم يفوقك قوة وذكاءا وخبثا ودهاءا بما لا يقاس دون ان يأخذ احد رايك،او ان يكون لاعتقاداتك لشخصية اي اعتبار في هذا الشأن .
انا لم  اقرأ النظرية التي تنادي بعبثية الحياة،ولست مقتنع بها من الاساس مطلقا،ولكني مع هذا اتفهم تماما الان شعور صاحبها الذي احس به بينما هو يمسك قلمه ليخطها علي الورق
اتعرف قصة المتاهة المشهوره في اسطورة المينوتور ..
تلك المتاهة التي ليس لها نهاية او بداية والتي يظل المينوتور يجوب ارجائها ليلا ونهارا دون هدف،ويتخبط في جدارنها دونما نتيجه!!!!
هذا هو حالي في هذه الدنيا....
صراع ومتاهات واحداث متشابكة وايام متشابهة ثم الختام ..لاشيء..والمحصلة تساوي صفر...
لا يمكنني قط ان ادّعي انني قد فهمت هذه الحياة....وعرفت عنها كل شيء ممكن..
لكنني بلا شك قد كونت انطباعا عنها طيلة الاثنين والعشرين عاما المنصرمة يتلخص في انها ...امرأة مخادعه...
وحقا ان تشبيه الدنيا بالمرأة المخادعة ليس بالشيء الجديد،ولا بالعمل المبتكر،بل هو تشبيه قديم جدا...ربما من ايام  كان عدد البشر علي ظهر هذه الارض لا يتجاوز عدد اصابع اليدين...
الدنيا  امرأة مخادعه...
ولانها امرأة فهي تجيد كل ما تجيده المرأه...
الرقه...
العذوبه...
الحنان...
التظاهر بالبراءة..
ولانها مخادعه...فهي تبتكر كل يوم حيلة جديدة،وطريقة مختلفة للف الحبال حول اعناق الضحايا المساكين.
فتغري هذا بالمال...وذاك بالحب...وثالث بالجمال...ورابع بالنفوذ والسطوه..وخامس بالاهل والاصحاب...
وتعطي كل واحد من هؤلاء  من متع الحياة ومباهجها ما يجعل علي عينيه غشاوة قاتمة ،تقوم بنفس دور المخدر الذي كانت تستعلمه السفاحتين الشهيراتين (راية وسكينة) في تخدير ضحاياهما..
ولا يلبث الامر قليلا  حتي تتكشف الحقائق،وتبدوا الامور واضحة بلا تذويق...
وتفيق الضحية الحمقاء ويتلاشي الخدر عنها ،وتفك العصابة السميكة حول عينيها ...فقط  ليكون اول منظر تراه هو منظر السكين التي تزحف في قسوة وتوحش لتغازل العنق المغازلة الاخيره،ولتداعبة المداعبة القاسيه الخاتمه.
وكما هو الحال في الاحلام والكوابيس يصحوا الانسان فزعا قلقا متوترا غارقا في العرق واللهاث والتمتمه،فقط ليجد ان هذا ليس حلما ثقيلاولا هو كابوسا مقيتا...وانما هو واقع..واقع اشد سوادا الف مرة من ابشع كوابيس الكون..
وفي لمح البصر تبتدأ الدنيا هذه المرأة اللعوب-في استراد ما اعطته لذلك المسكين حتي يتلهي عنها،ويغفل عن مراقبتها،ويتعامي عن الافطان لما تريد..
فتنزع منه الهدوء وراحة البال...
وتغتال  كل من احب وصادق
وتختلس منه ماله وضياعه
ثم تبعث له بباقي جنودها ليقوموا باداء باقي الادوار،واكمال الفصل الاخير من هذه المأساة التراجيديه التي تمثل علي مسرح الحياه..
الوهن..واليأس..والحزن..والفقر..والشيب..
والتعاسة..والوحدة...الخ
كلها اشياء تبدأ في مطاردته..وأمور تحيل بصيص الضوء في نهاية نفق الحياة المظلم الي ظلاما مدلهما قاتما اسود  من قلب كفار قريش جميعا.
ثم تترك الدنيا هذا المسكين غارقا في همومه وغمومه واحزانه يضنيه الهم ،وتقتله القسوه ...
وتبدأ في ممارسة نفس الدور مع شخص اخر..
او ربما مع هذا الاحمق نفسه ان لم يكن قد تعلم الدرس..
وتكرر نفس الخطوات من جديد..
تبدأ في شم روائح عطره مفخمة من مكان ما..
ثم تكتشف ان هناك يدا تقدم اليك وردة بالغة الحسن...ومعها تقدم لك امالا عديدة..واحلاما مديده وعود كثيرة بغد مشرق جميل...
يغزوا االحب عالمك..وتسمح لك الايام بقضاء بعض الاوقات السعيدة،وتحقيق بعض النجاحات المحدوده..الامر الذي يغريك بالتمادي فتبدأ برسم صورا جميله ورؤي مشرقه وتصورات مبهجه..
ثم فجأة وبدون سابق انذار تمتد اليك السكين لتجتذ عنقك..وتطعن في قساوة قلبك...
قصة كما قلت-مكرره،واحداث كما بينت متشابهه،وخطوات كما اوضحت محدودة ومرسومة سلفا،لكن العجيب انه لا احد ينتبه..ولا احد يحاذر،او يحاول الا يقع في هذا الفخ المحكم..
ولكني –مع كل هذا لا الومهم كثيرا-ذلك ان الدنيا بارعه حقا في التخفي..وعبقرية فعلا في التلون..وشديدة الخبث والدهاء،
ومن الصعب ان يقاوم  كائنا بشريا كل هذا الود-وان كان مصطنعا،...وكل هذا اللطف والرقة والنعومة-حتي ولو كان تمثيلا -...
وربما لاسباب كهذه وعد الله سبحانه وتعالي-من يستعلي علي متع هذه الدنيا وزينتها وزخارفها بجنة ابدية سرمديه (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
عشب اخضر غرير بلا خبرة نحن-كما وصفنا الله في كتابه-تتدسس لنا الدنيا في صورة امطار تروي فنخالها-لجهلنا وقلة نظرنا-اما رؤما تبغي لنا الافضل وتتمني لنا الاحسن والاجمل...
فتأخذنا زهوة الاخضرار،ويعمينا وفور الصحة والنضارة ،عن هذه الكتائب العاصفة التي تحتشد في الافق..وحينها لا يبق لنا-كالعادة الا الفصل الاخير،والحدث المتوقع،والمشهد المنتظر (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح شهيما تذروه الرياح)كما قال الله-سبحانه وتعالي)...
وانا قد مررت بكل هذه الاحداث المؤسفه..واديت بنفسي علي مسرح الحياة دورا رئيسا في هذه القصه،وكنت فتي حالما رقيقا تنكرت له الدنيا في زي وردة بارعة الحسن  عطرة الرائحه..
وكان هناك الكثير من الحب..والكثير من السعاده...والكثير من الاحلام والرؤي والتصورات..ثم كانت اللحظه الخاتمه(لحظة الحقيقة كما يسميها الانجليز)وسقطت كل الاقنعه،وتوارت الوجوه المصطنعة قليلا لتبدوا لي المسوخ علي حقيقتها،والايام علي طبيعتها
(اري دنياكمو هذه  مزبلة
عليها كلاب همهنّ اجتذابها)
وحقا فقدت الكثير والكثير..ولم يبق الا القليل من الذكريا مع الكثير من الندم والحسره...
وكانت النتيجة ان اخذت علي نفسي الاف المواثيق والعهود الا اقع فريسة لهذه الدنيا اللعينة بعد ذلك ابدا،والا اخدع باقنعتها الاسطورية هذه مطلقا..
ومرت الايام تلوا الايام وانا احافظ علي ذلك العهد
حتي كان يوم امس...ورأيتــــــــها.....
اظنه من العبث ان اصفها بالجمال..ذلك ان جمال الحوريات لا يحتاج الي وصف..وهي كانت حوريه..
رقيقة..باسمه..هشه..لو خطت بقدميها الدقيقتان هاتان علي العشب لما انثني او تكسر.. تحس كانما هالة من ضياء تشع من وجهها الشبيه بفلقة قمر،وكانما شعاع من نور يخرج من بين اسنانها الشبيهة بعقود اللؤلؤ المنظوم...
رأيتها فأجفلت..ولمحتني هي الاخري فنظرت نحوي..
وغرقنا في نظرة عابره..دافئه.حنونه .قالت الكثير والكثير
(وتعطلت لغة الكلام وخاطبت....عينيّ في لغة الهوي عيناها)
وعلي الرغم من كون هذه النظرة لم تدم الا لحظات معدوادت... الا انها حملت في طيها بلسما لكل جراح الماضي،واشتملت علي وصفة سحرية القيت علي الامي وهمومي واحزاني فبددتها في لمح البصر،...
واني لاحسب ان هذه النظرة لو طالت للحظات قصار اخر لارجعتني صغيرا  عشر سنوات كامله..
واحسست ان كياني ينسحب مني ببطء ويذوب داخل عوالم سحرية رائقة شفافة يكتنفها ضوء  ملون وتطير في سمائها فراشات صغيرة  اية في الرقة والجمال،وفي فضائها العالي يبدوا قمران صغيران يتهامسان  في رقة ونعومه..
واحسست كأن يدا خفية تدفعني كي اذهب اليها واتحدث معها-رغم انني لم ابدأ فتاة بالكلام في حياتي قط-واخذني الحياء وحاولت ان ادفع هذا الخاطر عني وحاولت ..وحاولت..
لكن كانت هذه اليد الخفية تدفعني في عنف اكثر ،وتهزني في شدة اكبر،وكان احساسي ان هذه الفتاة تتمني هي الاخري ان لو احدثها يزيدني شجاعة ،لاسيما انها قد رفعت صوتها في هذه اللحظة-كانما الكلام موجه اليّ- تحدث احدي زميلاتها،فكأنما الف بلبل يترنم،والف عصفور من عصافير الجنة يشدوا،   و....
ارتجفت في قوه،وخفق قلبي في عنف،وارتجفت رجلاي حتي ما عادت قادرة علي ان تحملني،وعدت من عالم الاحلام والخيالات والاوهام الي عالم الواقع،ونجحت في النجاة بصعوبة بالغه،وفي اللحظة الاخيرة ربما... من هذه الدوامة العجيبة التي كادت ان توردني موارد الهلاك..
ويل لي..اما لغبائي منتهي..الا اتعلم ابدا...
-هكذا حدثت نفسي..
الم تعاهديني يا نفس انك لن تسمحي لهذه الدنيا الغادرة المتلونة بخداعك مرة اخري؟؟؟
الم نتفق يا قلب سويا انك لن تخفق الا بحب بربك..ولن تزاحم  صورته في قلبك بهياكل الاوثان؟؟
الم تؤكدي لي يا عين انك لن تقعي علي الحرام ابدا..وانك حتي تواري التراب لن تكفي عن البكاء فقط من اجل ربك رغبة اورهبه؟؟
ما كل هذه الغفلة ..وهذا التمادي في الغرور..
اعلم يا قلبي ان هذه الفتاة بارعة الحسن وانها تحمل نفس الملامح التي تحبها وتذوب فيها عشقا..
ولكن من قال ان هذه فتاة؟؟
ومن قال ان هذه هي ملامحها الحقيقيه..
انما هذه التي تراها هي الدنيا ذاتها..
الدنيا تضع قناعا يحمل الملامح التي تحب..
وكانت بصدد خداعك مرة اخري..ولم تجد الا هذا الوجه بالذات لتتمثل لك فيه..لعلمها انها يذكرك بالفتاة الوحيدة التي احببتها طوال حياتك...
تسألني ومن اين عرفت؟؟؟
اقول لك:الم تكن  هي نفسها التي خدعتك اول مره؟.
وكل ما فعلته انها  بدلت الملامح قليلا،وجاءت لتخدعك ثانيا،بوجه تغشاه الرقه..وعيون كعيون الغزلان..
وكادت ان تنجح...
وسرت انت ورائها كالطفل المسحور.تطارد خيالها خلف الهضاب،وتسري وراء عطرها فوق  السحاب.
وكادت ان تتكرر معك  قصة الغواية المعتادة مجددا لولا ان الله قد لطف،واستعدت توازنك في الثانية الاخيره ..
واني الان يا قلب لامرك ان تنزع يدك من هذه الفتاة..وان توقف فورا هذا السيل من المشاعر والاحاسيس التي تتنزي في لوعة وحسره..
فانا لن اسمح مطلقا ان يتكرر الان ما تكرر في الماضي..وحسبي ما خضت من تجارب مؤلمه،وما تعلمته من دروس قاسية ...
ثم انّا قد اغلقنا هذا الباب نهائيا،ولن يفتح ثانية ابدا الا لو قدر وتزوجت-وان كنت اتمني ان يمضي ما بقي لي من العمر دون زواج-لاسباب ليست بعيدة عن طبع هذه الدنيا الغانية الماكرة اللعوب....!!!
وما ان جال كل هذا بخاطري حتي وضعته موضع التنفيذ فورا،وشعرت كأن قلبي يتمني الا اتخذ قراري هذا لكني زجرته في عنف فلم يملك الا ان يطيع اوامري..
وفي الثانية التالية ادرت لهذه الفتاة ظهري،ورفعت انفي في كبرياء وشمم،وانا اتذكر كلام سيد قطب-رحمه الله-عن ضرورة استعلاء المسلم-الذي لم اكنه مع الاسف- عن الشهوات،والترفع عن الحطام،
وهكذا ابتعدت في سرعة وفي خطوات واسعه وتواريت داخل طوفان البشر الهادر علي محطة القطار (بالمنصوره)،دون ان التفت ورائي او انظر خلفي ثانية...وانا اردد في همس خافت قائلا..
(ما هذه الدنيا لك،ولا انت لها
  فاجعل الهمين هما واحدا....)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..