الاثنين، 30 ديسمبر 2013

ولهذا أستقيل..!


انتهيت للتو من قراءة كتاب -لمفكر عبري- عن التسليح وموارده، يورد فيه المؤلف إحصائية موثقة مفادها: أنه لو افترض ووجدنا كوكبا خارجيا من مجرة أخري يرضي أن يشتري منا كل قطعة سلاح علي ظهر هذا الكوكب الأرضي البائس..فستكفي هذه الاموال لإطعام كوكب ا
لأرض كله من مبدأه لمنتهاه مدة ألفي عام كاملة..!
يدير الرقم رأسي .. فأغلق الكتاب علي جرحي النابض..ومن كل أعماقي استمطر اللعنات علي الأفاعي التي تقود هذه البشرية للجحيم رأسا..
هذه الأفاعي التي لا تكف عن الحديث عن الفقر والجوع وقلة الموارد،ولا تخرج لفقير مليما الا بقلع الضرس أو شق الأنفس..نجدها أنشط ما تكون حين تلقي بترليوناتها تحت أقدام سادة السلاح وصانعيه..
أما كان الفقراء والمرضي والمعوزين ومن لا يجدون قوتهم أولي بهذا..
قاتل الله الحروب..والدماء..وشهوة التسلط والتجبر لديك أيها الانسان البغيض..
ولقد قاربت علي الوصول الي درجة الاكتفاء التام من كراهيتي لهذا الجنس البشري الوضيع الذي -برغمي- أنتمي إليه..
أتلفت باحثا عن خلاص..عن درب ينتشلني من عار هذه النسبة..لكن الخلاص عزيز..
والآن أفهم لماذا انفجر ابو القاسم الشابي في شعبه قائلا:

أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور، وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي في صميم الغابات أدفنُ بؤسي

الآن أفهم لماذا اتجه شاعر عظيم كــنزار قباني إلي (أدب اللا أدب) باعتباره معادلا موضوعيا للفرار..
نافذة يستنشق منها نسيما غير مدنس..وهواء لم تغلفه الدماء..
سيتهمونه بالبشاعة..بينما هم مادتها الخام..سيتهمونه بالوضاعة..بينما هم أصل هذه الكلمة وإليها ينسبون..
إن الهروب في بعض الأحيان يكون أفضل ما نفعله..علي الاقل هو سيحفظ لنا روحنا من الابتذال..من التوحش..من شهوة الدم التي لا تنتهي..
يذكرني ذلك برد (مظفر النواب) علي معاتبيه لكثرة ألفاظه البذيئة الخارجة..حين قال لهم ساخرا: أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه..؟
بالله عليكم: أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه...؟؟؟؟
هذا واقع ليس ثم فيه خيار إلا أن تموت علي عتبته منذ الوهلة الاولي..وثق انه سيكون موتا بلا فائدة أو ثمن..موت من النوع الرخيص الذي ربما لن يكلف قاتلك أكثر من ضغطة زناد واحدة.. 
وإما أن تتناساه تماما لتعيش في عالم مواز..
عالم أكثر رقيا..وتحضرا..ويقينا..
عالم في خيالك أنت..تري مفرداته في كتاب الله وهو يتحدث عن المجتمع المسلم الرحيم في سلمه وحربه..
وتري مادته في تلك القصائد الشعرية التي ماتزال هي جواز سفرك لعالم الأخلاق والمثل..
وفي ساعة الذئب هذه حين تكون هشاشتك قد بلغت ذروتها..وقابليتك للإنكسار أضحت قاب قوسين أو أدني..تؤنس روحك الغريبة بكائية الغريب الراحل (درويش):

سيداتي..
آنساتي..
سادتي!
سلّيتكم عشرين عام
آن لي أن أرحل اليوم
و أن أهرب من هذا الزحام
و أغنّي في الجليل
للعصافير التي تسكن عشّ المستحيل
و لهذا.. أستقيل
أستقيل
أستقيل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..