الأحد، 6 مايو 2012

قلم يرقص فوق أشلاء الورق..



احمل القلم في يديّ منذ ما يقارب الساعتين تقريبا...
اكتب كلمة علي الورقة التي امامي...ثم اقوم بشطبها....
ارسم بلونا طائرا اتمني أن يحملني الي ما فوق الغيوم...
ثم أقلب الورقة لأرسم شيئا جديدا...
اكتب ثم اشطب...ثم ارسم لأقوم بتغير الرسمة مرة اخري...!!
بالون...حمامه....شمس....مطره....ورده...
طفلة صغيره احاول جاهدا أن تكون ملامحها الملائكية شبيهة بملامح بنت اخي الوادعة الجميله....
ثم احاول الكتابة مجددا.....اكتب كلمة اخري....ثم اتوقف.....
اقلب الصفحة لاكتب من جديد.....
فلا افعل سوي وضع بعض النقاط المتراصة بجانب بعضها البعض......!!!
بداخلي ملايين الاشياء التي ارغب في الكتابة عنها.....
لكني لا اعرف من اين ابدأ....
ولا أي المواضيع أختار.....؟؟
أأكتب عن غضبي...ام حزني...ام احباطي....
عن يأسي...أم همومي....واشجاني.....؟؟؟
ام اكتب عن قلبي المظلم كلوح من الزجاج المعتم.....؟؟؟
واحلامي المتردية من فوق سفوح الاماني ...؟
ومستقبلي الذي لا مستقبل له.....؟؟؟!!
(قلم يرقص فوق أشلاء الورق)....
لعل هذا هو أدق وصف للورقة البائسة التي بين يدي....
كلمات..خطوط متقاطعه...رسوم..نقاط متراصه.....
اشلاء ورقه.....
يرقص القلم فوقها محاولا ان لا يصطدم في رقصته السرمدية هذه باحد الكلمات التي كتبها...
او تلك الرسومات التي قام برسمها من قبل...
قلم يرقص.......
هو ايضا أدق تصوير لقلمي......
هل رأي احدكم قلما حزينا يرقص من قبل....؟؟
انه  رقص ثقيل الخطوات....متبلد الاحساس...غائم النظرات....
(كالطير يرقص مذبوحا من الالم)
هكذا قلمي البائس....وورقتي تعسة الحظ.
لكن يا لــقسوتي....!!
انني اطلب من هذين الصغيرين أن يتشاركا  في ترجمة كل ما يمور داخل بركان فؤادي...
واخراج  جميع ما يحتويه عقلي وقلبي من احساسيس ورؤي واحلام وذكريات........
أعجز انا نفسي عن تحمل خيط تتابعها....
وارتجف من مجرد تخيل وقوفي مجردا امامها....
ومع ذلك يحاول ذلك القلم الصبور بكل جهده....
ويبذل غاية ما بوسعه.
بدون ان يكلّ..أو يملّ....او يضعف وينكسر مثلي.....
ياله من قلم شجاع....
ويالها من ورقة باسلة تلك التي تحتمل كل كلمات العذاب والالام تلك التي تتزاحم فوقها كما تتزاحم الوحوش الضواري علي فريسة هشة صغيره.
انني- ولأول مرة في حياتي- افكر الان في هذين الصديقين بشكل مختلف....
وافكر في أنهما يستحقان مني اكثر من ذلك بكثير...
يستحقان –علي الاقل - الحصول علي بعض الراحة  بعدما ابحرا في داخلي كل هذه السنين الطويلة الماضيه....
سبع سنين مضيا مذ بدأت سفننا  تقلع من مراسيها .....
واجها معي عواصف لا عدد لها...وامواجا قاسية لا ترحم ...ووحوشا غاضبة كثيرا ما ضربت وجوهنا بشدة وعنف  مهددة باغراقنا....
-لكم سهرا يحلمان معي طويلا بطلوع النهار...
-ولكم جلسا بصحبتي لنحتفل معا بأول شعاع ضوء ينبثق من عتمة الاظلام...
-ولكم اجتمعنا سويا لنشرب –في أكؤس من ضياء- نخب صديقنا البدر الهادي المنير...
الذي لطالما حلّ كضيف رابع معنا في سهرات منتصف الشهر الاثيرة عندي.....
ولقد كونا- قلمي وورقتي- علي مدار هذه السنين الطويلة اصدقاء كثر،
من مرتادي مثل هذه السهرات....
انهما يعرفان الكثير من النجوم باسمائها....
فكثيرا ما  استحما في ضيائها....
ويعرفان الكثيرايضا من قطرات دموع عيني....
فكثيرا ما تعانقا كذلك في تلك الامسيات الرقيقة الشجن.
قلمي..وورقتي...
لطالما كانا سفرائي الي عالم الخيل الممتع...
ولطالما كانا جواز سفري الي ارض الاحلام المفضلة لديّ...
ببساطها الاخضر المخملي..وسمائها الزرقاء التي تلهو فيها ندف الغيوم...
وذلك العطر الشفاف الذي يدخل الي اعمق اعماقك ليضفي من رائحته الساحرة علي شرايين قلبك ذاتها.
- في الليالي الممطرة التي يدق فيها المطر بعنف زجاج نافذتي...من كان يؤنس وحدتي..؟؟؟
- وفي الايام التي يكون فيها المجد للعاصفه...والتي تحني فيها اعتي الاشجار رؤسها معلنة ولائها الكامل وخضوعها التام لتلك القوة الصاعقه..
من كان يحتضن يديّ ليبث فيهما تلك الشجاعة الاسطوريه...ويوحي الي قلبي كثيرا من معاني الصلابة والصمود...؟؟
- من اكثر من رأيا دمعاتي في الوجود...؟؟؟
- ومن اكثر من شاهدا بؤسي وانكساري وانا اهوي متهشما علي ارضية غرفتي كقطع البلور المكسور....؟؟؟؟
- من الذين لطالما تعهدي نبتتي في زمان الذبول...
قاما بريي...وحمايتي  من اشعّة الشمس الحارقه....وابعدا عني من ارادني بسوء....؟؟؟؟
- من اكثر من حماني من نفسي...وفتح لي صدره الحاني يستمع شكاتي...وينصت لشهاقتي المبللة بأمطار الدموع..بلا ضيق..او اظهار اي محاولة للهروب؟؟؟؟؟
- من هما هذين الذين تجاسرا وغفيا  كثيرا علي وسادتي  متدثرين بغطائي –علي الرغم من مقتي الشديد ان يشاركني احد فراشي- ....؟
- من الذين عوضا فراغ حبيبتي الراحله..وصديقي الحنون الرقيق المحبّ الذي سافر.....؟
:والاجابة علي كل  ما سبق واحده:
انهما...قلمي...وورقتي....
ولقد قررت ان تكون هذه الامسية لهما...
هذه ليلتهما....
فلا دموع هذه الليلة...ولا احزان..ولا حديث عن مجريات الامور...أومكنونات نفس اتعبتها احداث الحياة....
هذه امسية خاصة جدا.....
احتفل فيها بحبيبين وفيين قسوت عليهما كثيرا...ولم التفت لهما من قبل.
وإن اعتقادي الراسخ ان كل شيء خلقه الله له حياة خاصة به....
وطريقة كلام ما....
فتري لو قدر لي ان اسمع هذين الحبيبين يتناجيان الان.......
ماذا عساهما يقولان.......؟؟؟؟؟
انا لا ادري......
فهل ثمة من يدري.......؟؟؟؟؟؟؟
لكنني أدري كيف سيتم الاحتفال....
وأعتقد اني مجنون الي الحد الكافي الذي سيمح لي بتنفيذ ما اقول...
اولا :سأقوم بإعداد فراش  صغير لهما في احدي زوايا غرفتي التي يمكن من خلالها رؤية ضوء البدر وهو يتسلل في رقة وحذر محاولا ألا يسبب اي ازعاج لاحد..
ثم اقوم بإشعال احدي الشموع الوردية اللون لهما....
وبعد ذلك اغلق (قابس) الكهرباء....
ليسود الظلام الا من ضوء البدر الهاديء....
وشعاع الشمعة الذي يتمايل في رشاقة ونعومه....
ولان هذه ليلتهما الخاصه....
فلن ارغمهما علي السهر معي طويلا...
او أسبب لهما أي ارهاق اكثر من هذا.....
هذه امسيتهما.....فليضعا بنفسيهما  برنامجها....وليقررا هما كيف يقضيانها....
اصدقائهما معهما.....فليستمتعا سوية....
اما انا....
فلأترك لهما خصوصية المناجاة في هذه الليله...
ولاترك شعاع البدر الذي يتهادي في جو السماء يلعب  بالنيابة عني دور الصديق الثالث....
ولتقص عليهم الشمعة الذهبيه بعضا من حكاياها الساحره...التي كثيرا ما نمت علي وقع ظلها الرشيق وهي تحاول تمثيل ما تحكيه لي......
هذه ليلة الاصدقاء.....
فلأترك لهم الغرفة اذن....
بعد ان اعتذر لهم برقة عن اضطراري للنوم مبكرا الليلة.....
طبعا هم يعلمون اني لن يغمض لي جفن قبل طلوع الصباح...
لكنهم فهما اني اريد ان اترك لهم حرية الانطلاق....
وربما حرية التعبير عن مكنوناتهم بدون تحفظ في حالة وجودي...
هم يفهمون....وانا اقدر....
وقبل خروجي تذكرت شيئا....فهرعت مسرعا لانتزع من بين ملابس التي تململت من تلك اليد التي توقظها في هذا الوقت المتأخر...
لكني طمأنتها اني لا اريد سوي تلك (الكوفية) التي اهدانيها صديقي قبل سفره....
وبعد ان حصلت عليها اغلقت باب خزانة الملابس في رفق....
وتوجهت الي جمع الاصدقاء لأقوم بتدثيرهم بكوفية ذلك الصديق العزيز....
والقيت نظرة اخيرة علي تلك الحفلة الساهره....
ثم امتدت يداي الي مقبض الباب وانا اضحك من نفسي....
من افكاري الطفوليه.....واساليي الجنونيه....
لكن من يدري......
ربما كان كل ما كتبته هو واقع الاشياء حقا...
وربما نحن لا ندرك من هذا الواقع سوي اقل القليل فقط.....
اذن فلنفسح للخيال مكانا بيننا....
فلربما كان هو سيد اللعبه....
ربما....
من يدري..؟؟.


                                                                     نورالدين محمود..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


ما رأيك فيما قرأت...؟؟؟؟؟...(((أضف تعليق)))..